القاهرة 23 اغسطس 2023 الساعة 12:09 م

بقلم: أحمد محمد صلاح
يشير أفلاطون في كتابه "القوانين" إلى فكر أو مذهب طاليس في العبارة التي قالها الأخير: "جميع الأشياء مملوءة بالآلهة"، كما يذكرها أيضًا في كتاب "النفس"، ويورد أرسطو رأيه في طاليس في كتابه "ما بعد الطبيعة" فيقول:
"طاليس مؤسس هذا الضرب من الفلسفة الذي يقول بأن المبدأ هو الماء، ولا ريب في أن الذي أدى به إلى هذا الاعتقاد ملاحظته أن جميع الأشياء تتغذى على الرطوبة، وأن الحار نفسه ينشأ عنها ويحيا بها، وهذه الملاحظة هي التي جعلته يأخذ بهذا التصور، وكذلك ملاحظة أخرى هي أن بذور جميع الأشياء رطبة بالطبع، ويذهب البعض إلى أن قدماء الكونيين الذين وجدوا قبل زماننا بعهد طويل كانوا أول من فكروا في الآلهة وتصوروا الطبيعة على هذا النحو".
ويقول حسين علوان علي: "لقد رأى مثلا أن تكون الأرض هو عملية ترسب حدثت من خلال الماء، وهنا وضع تصورا جديدا للمادة بأنها حية ومبدأ الحركة كامن فيها، وأن حركة المادة الحية هي سلوك طبيعي لها ومن صلب وجودها، فإذا طبقنا ما يرمي إليه بهذا المعنى على مسألة الترسب التي تحدث في الماء، وتتكون الأرض من خلالها، فإن الترسب هذا تم داخل الماء بفعل حركة تنبثق من داخله كامنة فيه، وبهذا تكون المادة حية لأنها تتحرك، وتتغير بنفسها دون قوى حية أخرى تدفعها لذلك، وأن النفس والإنسان لم يؤت بهما من خارج العالم، بل نشؤوا بفعل حركة المادة الحية، التي انطلقت في أصلها الأول من الماء".
وذهب طاليس في استنتاجاته إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث اعتبر الأرض قرصًا مسطحًا عائمًا على الماء، وأن الماء يوجد حولنا من كل جانب، حتى إنه فوق رؤوسنا، وإلا من أين يأتي المطر؟ أليس من السماء..
لنلاحظ هنا -وهذا هو الأهم- أنه في خضم كل هذه التفسيرات والتكهنات الغريبة، لا توجد أية آلهة تخلق هذه الأمور وتتدخل في عملية الخلق وتدبير الطبيعة، وهذا هو إنجاز طاليس الأهم، لقد وضع نقطة التحول الكبرى، التي قادت إلى ما نحن عليه الآن من تقدم علمي وفكري، وما ستكون عليه البشرية طوال مستقبلها القادم".
ويبدو أن "علوان" يختلف مع "الأهواني"، فالأول ينفي عن طاليس فكرة أن كل الأشياء مملوءة بالآلهة، بل ينفي ما قاله أفلاطون من الأساس عن طاليس، وان كنت لا أشكك في معلومات علوان فقد تكون مصادره مختلفة عني فأردت أن أورد وجهتي النظر.
ولكن "برنت" يذهب إلى أن المشاهدات البيئية وبخاصة الجوية هي التي أوحت إلى طاليس بفكرة أن الماء أصل الأشياء، فالماء يتشكل بأشكال مختلفة من الغازي والسائل والصلب.
وينتقد "بيجر" تفسير "برنت" قائلا: "إن أرسطو حين سمَى المدرسة الأيونية بالطبيعيين كان ليقصد لفظ الطبيعة خلاف ما تعنيه الآن في العلم الحديث، فهي في اليونانية القديمة تدل على عملية النمو كما تدل على أصل الأشياء".
|