القاهرة 01 اغسطس 2023 الساعة 10:51 ص

كتب: صلاح صيام
-
البياتي: شوارع القاهرة في دمي وكتبت أهم قصائدي في مصر
يحتفظ الشاعر العراقى عبد الوهاب البياتى فى جعبته بطرائف كثيرة عن مصر، لكن قفشاته وطرائفه كان يحكيها دائمًا بحب ومودة، منها تلك المتعلقة بلقاء مع ناقد معروف من أسرة معروفة في دنيا الثقافة، ر.ن، إذ اتفقا على موعد في وسط البلد، وتأخر صديقه الناقد كثيرًا، وبعد ساعات ظهر، مبررًا تأخره بعمل طارئ في مطبوعته، وبعد قليل وصل أحدهم وتكلم مع الناقد عن لقائه بالممثلة الجميلة التي التقاها على غير موعد سابق منذ قليل!
يقول عنه الشاعر نادر ناشد: عرفت "البياتي" في منتصف الثمانينيات من القرن الماضى.. قابلته أولًا فى أحد الفنادق ثم زارني في مقر مجلة الإذاعة والتليفزيون أمام كورنيش النيل، وفي المساء قابلته على مقهى ريش وسط القاهرة، ولاحظت أنه يسير فى شوارع القاهرة وكأنه يعرفها شبرًا شبرًا، وحينما سألته ضحك ساخرًا و قال: لا تنس أنني عشت في مصر سنوات في الستينيات -وكنت منفيًا من بلادي- عشت في القاهرة أنا وزوجتي، الشاعرة هند نوري الغوري، لم تكن سنوات غربة، بل كانت سنوات حب ونضال وانتصار لإرادتنا.. مصر عبد الناصر، أجمل سنوات العروبة، لم يكن أحد فيها يمكن أن يشعر بالغربة أو النفي، شوارع مصر في دمي .. زرتها بكل ما تملك من تاريخ وتحضر وقيمة، وزرت السد العالى وهو في مرحلة التنفيذ ورأيت بعينى مهندسي السوفييت، وعمال مصر يطلعون بكيانه الشامخ ينسجون ملحمة إرادة شعب وقيادة زعيم رسم أحلامنا، ثم نفذها ورسم مستقبلنا وحقق الكثير منها، لولا مجموعة من الخونه سرقوا منه الانتصار الكبير وتركوه في أحزان الوطن، يعترف مجبرًا بأنه المسؤول عن نكسة 1967 ويقرر التنحي عن السلطة.
ويواصل عبد الوهاب البياتي ذكرياته من خلال أكثر من مقهى جلسنا عليه، وحكى لي الكثير من آثاره و مما تركت له مصر شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا.
ويضيف "ناشد": أجريت مع عبد الوهاب البياتي أربعة لقاءات صحفية، تشرت اثنتان منها على صفحات جريدة الأنباء الكويتية، وحواران نشرا في مجلة الإذاعة والتليفزيون، و"البياتي" فى كل حواراته يثير زوبعة من المفاهيم والخلافات، بحيث تتحول حواراته إلى بانوراما من الفكر الجاد والتنافس على ما هو أفضل في مناقشة أي جدل دائر على الساحة، فمن خلال حواراته تحدث عن موقفه من التجديد في القصيدة، وموقفه من تفشي ظاهرة الغموض على أغلب القصائد الحديثة، وتحدث عن قضايا كثيرة ومهمة، كان أكثرها إثارة هو وصفه لنزار قبانى بأنه عدوية الشعر وأن قصائده مرتزقة!
وأذكر أنه ذات صباح اتصل بي الناقد الكبير طارق الشناوى وقال لى يا نادر هل تتابع الصحف والمجلات العربية واندهشت من السؤال وقلت له : لا.. لا أتابعها، فقال لى: هذه الإصدارات أغلبها يتحدث عن حوارك مع الشاعر عبد الوهاب البياتي وتصريحاته النارية، والتعليقات ما بين تقارير في أخبار سريعة أو تقارير طويلة أو حوارات للرد على البياتي، وبعد أيام تمكنت من قراءة أغلب ما كتب، وأدهشتني التصريحات التي تحولت إلى قنابل عنقودية رهيبة، ومن بين هذه القنابل، تصريحات الشاعر العراقى الشهير عبد الرازق عبد المجيد، وكان من المقربين للسلطة في عهد صدام حسين، حيث انفجر في تصريح قال فيه: البياتى يتحدث عن نفسه كأنه مناضل أو كأنه لينين شخصيّا أو ستالين، البياتي يطرح نفسه دائمًا كأنه المخلص، ولكنه في الواقع هو عبد الوهاب البياتي.
أما الشاعر محمد الماغوط فقد قال في سخرية: يتحدث البياتى دائمًا عن السجون والمعتقلات والمنافي، وفي الواقع أنه لم يسجن يومًا واحدًا، إذا كانت المنافي أن يعيش مدللا في القاهرة أو مدريد ، فهذا أجمل منفى!
بينما قال الشاعر اليمني الدكتور عبد العزيز المقالح، وهو رجل أكاديمي وأستاذ جامعى - المسؤول عن هذه الزوبعة هو المحاور الذي كتب الحوار وأثار لغطًا، ويبدو أنه أراد أن يشعل نارًا من غير سابق إنذار!
وكانت العناوين الساخنة للمعركة كلآتي:
صرخت الشاعرة سعاد الصباح أمامي وقالت الهجوم على نزار قبانى هو هجوم على قدسية القصائد.. نزار قبانى سيدنا جميعًا... .د. عبد العزيز المقالح قال: البياتي مظلوم محرر المجلة هو الذي أشعل النار بين الشعراء. محمد الماغوط: كل قصائد البياتي عن السجون والمنافى وهو لم يسجن ليلة واحدة، والمنافي بالنسبة له "ترفيه"!
وبالمناسبة فقد قابلت الدكتور عبد العزيز المقالح وتمكنت من مصالحته، ولكنه ضحك بسخرية كبيرة وقال: أنا أعرف أن للصحافة حق وضرورة في إشعال الحرائق ..
وقلت له : عمومًا القضية ليست مجرد إشعال حرائق وإنما الوصول إلى اليقين.
أما الشاعرة سعاد الصباح فقد وصلت إلى القاهرة في صيف منتصف الثمانينيات تقريبًا، واتصلت بالكاتب الروائي محمد جلال رئيس تحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون -التي نشرت فيه الحوار الأزمة- وقالت له : أنا عاتبة جدًا على نشر حوار الشاعر عبد الوهاب البياتي بهذا الأسلوب، وحزينة جدًا أن يقول عن شاعرنا الكبير نزار قباني أنه "عدوية " الشعر، فهذا ظلم كبير وهجوم غير مبرر.
واقترح محمد جلال ان نلتقي ثلاثتنا- محمد جلال و سعاد الصياح وأنا – في مقر إقامتها في القاهرة –بمنطقه مصر الجديدة – وفى أحد الفنادق.. عاتبتني سعاد الصباح وقالت بانفعال: الهجوم على نزار قباني هو هجوم على "قدسية" القصائد ..نزار "سيدنا" جميعًا. هذا الهجوم غير المسؤول ليس له مبرر- خاصة أن نزار قباني صديق للجميع - إلا أنه فى إحدى الندوات بالعاصمة العراقية.. قدم المسؤول عن الندوة، الشاعر نزار قباني بأنه شاعر العروبة - وهذا حقه - ربما هذا ما أزعج البياتى. وكان حوارًا طويلًا مع الشاعرة الكبيرة. وكان أكبر صفقة صحفية عشتها في حياتي الأدبية.
|