القاهرة 25 يوليو 2023 الساعة 11:20 ص

كتب: صلاح صيام
بعد أيام قليلة وبالتحديد فى الثالث من أغسطس تحلّ علينا الذكرى الرابعة والعشرين لوفاة الشاعر العربى الكبير عبد الوهاب البياتى.
حل البياتي ضيفًا شخصيًّا على الرئيس جمال عبد الناصر، ووصف إقامته بالقاهرة من عام 1964إلى 1970 بأنها "كانت أعوامًا مباركة حفلت بأفضل ما أنتج"ونظم قصيدة عن "عبد الناصر" قال فيها:
وهذا الثائر الإنسان عبر سنابل القمح
يهز سلاسل الريح
مع المطرِ
مع التاريخ والقدرِ
ويفتح للربيع الباب
فيا شعراءَ فجر الثورة المنجاب
قصائدكم له، لتكن بلا حُجّاب
فهذا المارد الثائر إنسان
يزحزح صخرة التاريخ
يوقد شمعة فى الليل للإنسان
عبد الوهاب البياتى الشاعر العراقي الذي عشق مصر مثل معظم نظرائه من المثقفين العرب، مصر الحلم، مصر عبد الناصر، راودته أحلام فترة عاشها في ظل الناصرية، إذ كانت منفاه وحاضنته عندما لاذ بها من الظلم والاضطهاد السياسي في العراق، ورغم أنه لم يكن مصري المولد إلا أنه مصري الهوى..
ظلت مصر- عبد الناصر تسكن روحه، يحلم بها، وبثورتها التي قال عنها: "يا جيل الهزيمة..
هذه الثورة
ستمحو عاركم وتزحزح الصخرة
وتزع عنكم القشرة
وتفتح في قفار حياتكم زهرة".
واختتم قصيدته إلى "عبد الناصر الإنسان"، فاتحة ديوانه "سِفر الفقر والثورة"، في منتصف الستينيات، بأبيات تنضح حبًا لزعيم العرب.
كان عبد الناصر قد احتل فاتحة ثالث دواوينه، "المجد للأطفال والزيتون"، بقصيدة "أغنية من العراق إلى جمال عبد الناصر"، استهلها مغردًا:
"باسمك في قريتنا النائية الخضراء
في العراق
في وطن المشانق السوداء
والليل والسجون
والموت والضياع
سمعت أبناء أخي باسمك يلهجون
فدى لك العيون
يا صانع الربيع للقفار..
يا صانع السلام/والرجال
يا جمال
وواهب العروبة الضياء
ومنزل الأمطار في صحراء
حياتنا الجرداء
يا رجاء عالمنا الجديد
وفجرنا الوليد".
ما أشبه اليوم بالبارحة يا عراق البياتي!
وعن القاهرة يغني في الديوان نفسه، المجد للأطفال والزيتون، قائلًا:"يا ثورتنا المشتعلة/يا قناديل حياة مقبلة/يا شعارات رفاقي الظافرة/ لك قلب القاهرة/لك-مذ أيقظه الحب-يغني/للملايين الحزينة/وهي تصحو-بغتة- من نومها/وتروي أرضنا في دمها/أرض زهران ومبكى أم صابر/وشاحًا أحمرًا للنيل ملقى فوق شاعر/حطمت قيثاره بالأمس أيدي الغجر/ورياح الضجر".
كان يردد دائما إنني أحب مصر في كل صورها، ولم ينته عشقه لها عند عبد الناصر بل طال لحظات تاريخية مثل الدور البطولي لبورسعيد في أثناء العدوان الثلاثي:
" على رخام الدهر، بورسعيد
قصيدة مكتوبة بالدم والحديد
قصيدة عصماء
قصيدة حمراء..
على جبين الشمس، بورسعيد
مدينة شامخة الأسوار
شامخة كالنار
كالإعصار
في أوجه اللصوص
لصوص أوروبا من التجار
من مجرمي الحروب/
وشاربي الدماء".
ذكريات البياتي عن مصر والمصريين لا تنتهى، فذات مرة خلال منفاه في بيروت عمل محررًا في وكالة أنباء الشرق الأوسط، وكان السادات في زيارة لهذا البلد، بعد العدوان الثلاثي على مصر، فعرج على المكتب حيث أعطاهم نصائحهم للعمل في تلك اللحظات العصيبة وشد من أزرهم، وفي موسكو تعرف إلى حسني مبارك في مقهى كان يرتاده عسكريون مصريون يتلقون دورات هناك. وعندما أصبح رئيسًا لمصر توسم فيه خيرًا بعد القطيعة العربية لمصر في إثر كامب ديفيد، وتوقع أن تعود مصر إلى سياقها العربي.
روت زوجته السيدة هند، أو أم علي كما كان يناديها دائمًا، أنها كانت وراء تغيير تسمية الخليج الفارسي إلى الخليج العربي في خطابات عبد الناصر التي كانت تسحر البشر من المحيط إلى الخليج. إذ قالت إن الرئاسة دعتهما، ضمن المدعوين، على الاحتفال بمناسبة سياسية ألقى فيها الزعيم خطابًا وتحدث فيه عن الخليج الفارسي. وعندما اصطف الحضور لوداع الرئيس عبد الناصر توقفت أم علي أمامه وعاتبته على تسميته للخليج بالفارسي، فما كان منه إلا أن وعدها بأنها آخر مرة يستخدم فيها هذا المصطلح وقبّلها من رأسها، وهذا ما كان.
رحل البياتي دون أن يعاود العيش في أرض الكنانة، فاحتضنته دمشق في آخر سني عمره ليدفن إلى جوار محيي الدين بن عربي.
|