القاهرة 18 يوليو 2023 الساعة 12:41 م

كتبت: نضال ممدوح
في أحدث مؤلفات الباحث الشاعر دكتور حاتم الجوهري أستاذ النقد والدراسات الثقافية، والمعنونة بـ "دفاعا عن القدس وهوية الذات العربية" ..نقد خطاب الاستلاب العربي للصهيونية في ظل صفقة القرن والاتفاقيات الإبراهيمية والمروجين العرب لهما، والصادرة عن دار إضاءات للنشر والتوزيع، في حوالي 470 صفحة من القطع فوق المتوسط، مشتملة على بابين كل باب يتضمن ثلاثة فصول.
يتناول موضوع الدراسة بالنقد والتحليل ما يسميه ظاهرة "الاستلاب للصهيونية والآخر" وخطابها الذي ظهر في الثقافة العربية منذ نهايات عام 2015م، بالتواكب مع حملة الترشح الأولى للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2015م، والتي صرح خلالها بأنه يجهز لـ"صفقة القرن" لحل القضية الفلسطينية ويعد بتنفيذ القرار المؤجل بنقل السفارة الأمريكية للقدس، هذا والمقصود بخطاب الاستلاب للصهيونية والآخر ذلك الخطاب الذي ظهر في الإعلام المرئي .
وجاء الباب الأول النظري في الكتاب بعنوان: "القدس وصفقة القرن.. أزمة الذات العربية وتيار الاستلاب"، وقد اشتمل على ثلاثة فصول، الفصل الأول: من التطبيع إلى الاستلاب.. في المفهوم وأزمة الذات العربية، واشتمل على: ( في مفهومي الاستلاب والتطبيع: الاعتراف بالآخر أم بروايته! - آليات فرض الاستلاب والتطبيع بين الأنماط الخشنة والناعمة- الاستلاب بين النخب الثقافية والانظمة السياسية- خطاب الاستلاب وبدائله المقترحة في دولة المركز/ مصر(
والفصل الثاني بعنوان: "محددات الصراع على مدينة القدس وأبعاده"، واشتمل على: (محددات البعد الديني للصراع- محددات البعد التاريخي للصراع- محددات السياسة الصهيونية لاستعادة الوجود في القدس- محددات وضع القدس في "صفقة القرن" الأمريكية.(
والفصل الثالث بعنوان: "مدينة القدس وصفقة القرن بين الديمقراطيين والجمهوريين"، واشتمل على (تفجير التناقضات وصفقة القرن بين الجمهوريين والديمقراطيين- القدس والصراع وحرب الإعلام في عهد بايدن- خطاب الاستلاب والصراع في عهد بايدن- إدارة الصراع ومقاربة تسكين تناقضات الهوية العربية(
وفي الباب الثاني التطبيقي وضعت الدراسة فرضية نظرية في مباحثها واختبرتها لتقدم نموذجًا معرفيًّا يفسر دافعية تبني خطاب الاستلاب عند تلك النخب العربية، وهذه الفرضية تنص على: أن كل من تبنى خطاب الاستلاب، في شكل الخروج والانسلاخ عن رواية "الذات العربية" وسرديتها ببعدها التاريخي أو السياسي أو الديني أو الثقافي أو الحضاري.. إلخ.
ولم يتمسك بتقديم خطاب نقدي بغرض إصلاحها والبحث عن نموذج لتحديثها من داخلها لا الانسلاخ عنها، كان دافعه لذلك يقوم على وجود عامل مسبق أو محفز لتجربة فكرية عامة أو موقف ذاتي قديم، أدى لأن يكون هذا الشخص على قطيعة مسبقة مع الذات العربية وسرديتها، بما يبرر قبوله بخطاب الانسلاخ عن روايتها كلية، وفي الصراع العربي الصهيوني خصوصًا ومسألة القدس والمسجد الأقصى، أو على الأقل كان مع القطيعة مع إحدى الروايات السائدة فيها سواء الفكرية أو السياسية أو الدينية، أو على ضعف قيمي يجعله يتكيف مع اختيارات سلطة سياسية ما، بحيث يتم تبني خطاب الاستلاب تكيفًا مع اختيارات تلك السلطة السياسية أو قطاع فيها، بادعاء أن خطاب الاستلاب سيعود مرحليًّا بالنفع أو الوظيفية باعتباره تكتيكًا سياسيًّا قصير المدي أو استراتيجية طويلة المدى.
كما فندت الدراسة سردية خطاب الاستلاب العربي في هذا الباب على ثلاثة مستويات؛ المستوى الأول السردية التاريخية الدينية التي حاول يوسف زيدان تقديمها، المستوى الثاني السردية الفلسفية الوجودية التي سعى مراد وهبة لتقديمها باعتبار الذات العربية ذاتًا قاصرة وعاجزة بطيعتها عن القيام بعملية التحديث والتقدم، والمستوى الثالث هو سردية خطاب الاستلاب المتنوع بخلفياته العلمانية والدينية والسلطوية الوظيفية.
حيث جاء الباب الثاني التطبيقي بعنوان: "خطاب الاستلاب ورموزه.. تفنيد الادعاءات وكشف الروافد"، ويأتي الفصل الأول بعنوان: "الاستلاب للآخر والانسلاخ عن الذات عند يوسف زيدان"، واشتمل على (السياق التاريخي والثقافي لظهور خطاب الاستلاب- تمثلات "الاستلاب للآخر" الصهيوني عند يوسف زيدان- تمثلات "الانسلاخ عن الذات" العربية عند يوسف زيدان(
والفصل الثاني بعنوان "الاستلاب للصهيونية والآخر في خطاب مراد وهبة "، واشتمل على (المدخل المعرفي والسياق التاريخي لخطاب الاستلاب- مراد وهبة ومتلازمة الاستلاب للآخر / الانسلاخ عن الذات- في المسار المقارن والسياسي لمراد وهبة وتيار الاستلاب(
والفصل الثالث بعنوان: "القدس وتعدد دوافع الاستلاب للآخر عند النخب العربية"، واشتمل على (الاستلاب العلماني (تَبَنِّي خطاب الاستلاب باسم العلمانية)- الاستلاب الديني (تبني خطاب الاستلاب باسم الدين)- الاستلاب السلطوي العام والتوظيفي (تبني خطاب الاستلاب باسم السلطة والوطنية).
في الختام تقترح الدراسة مسارين رئيسيين سعيًا لمحاولة التصدي لخطاب الاستلاب وانتشاره في ظل حالة الضعف والتراجع الحضاري التي تعاني منها الذات العربية، وفي سبيل الدفاع عن مدينة القدس العربية كالتالي:
المسار الأول ترى فيه الدراسة أن التناقضات التاريخية إرث القرن الماضي؛ هي موطن الداء في الحالة العربية المعاصرة وقدرتها على التحول لـ"مجتمع فعال"، يقوم على "الفرز الطبيعي" لأفضل العناصر البشرية الموجودة به، وأنه تحدث باستمرار عملية "تنخيب زائف" لتقديم بدائل سياسية وثقافية للناس، يتم توظيفها لإعادة إنتاج العلاقات القديمة نفسها في الحالة العربية، بما يمنع ظهور لحظة "تحديث" مفصلية تقوم على "استعادة الذات" العربية، وأنه وفق آليات "التنخيب الزائف" تلك يتم استقطاب النخب العربية المأزومة ذات القابلية النفسية التي تحمل رغبة شخصية في الانتقام أو الصعود الذاتي، سواء من اليمين أو اليسار لتقوم بدور في خلق التناقضات واستمرارها، وهو ما حدث في موضوع خطاب الاستلاب، حيث اجتمع حوله من العلمانيين والدينيين العرب من لا يعي الصورة الكلية لما يحدث، وآليات التغيير فيها، وأعماه غضبه وتجربته الذاتية من أن يرى الصورة الكبرى.
أما المسار الثاني فتقترح فيه الدراسة اختبار فرضية أن البديل الجذري لخطاب الاستلاب؛ هو خطاب التمركز حول اللحظة التاريخية الراهنة للذات العربية المعاصرة، التي تتمثل في التصالح مع ثورات العقد الثاني من القرن الجديد (بعيدًا عن استقطابات اليمين واليسار وتوظيفهما المشوه) واعتبارها إضافة جادة للأمن القومي العربي وسنده الحقيقي تجدد مفهومه وتنقله إلى مرحلة جديدة، واختبار فرضية التصالح تلك في قدرتها على تقديم لحظة "تحديث" ذاتي تتجاوز تناقضات القرن الماضي ونخبه العربية التقليدية، من أجل "استعادة الذات" العربية وتقديم خطاب جديد ونخبة جديدة تسعى لامتلاك متطلبات الدفاع عن "مستودع الهوية" العربي، وفي قلبها القدس وقضية فلسطين وتتجاوز التناقضات في سبيل ذلك..
وأنه دون الوعي بأهمية التصالح والتمفصل حول السياق التاريخي الحالي للذات العربية، واعتبار الثورات العربية سردية كبرى جديدة تضيف للأمن القومي العربي، تكون قادرة على رصف طريق الذات العربية للمستقبل (وليست سردية سالبة تخصم منه)، فإن استمرار التناقضات وإعادة خلقها سيكون قابلًا للتجدد، سواء أكان عن طريق مقاربة "خطاب الاستلاب" أو طريق المزيد من المقاربات الإقليمية والدولية الأخرى التي تتمدد على حساب الذات العربية، والتي تستغل التناقضات التاريخية الموروثة في الحالة العربية بين اليمين واليسار، والتراتبات الاجتماعية لـ"دولة ما بعد الاستقلال" عن الاحتلال الأجنبي إرث القرن الماضي.
|