القاهرة 20 يونيو 2023 الساعة 11:14 م
كتبت: رابعة الختام
• عبد الستار سليم: الواو فن جنوبي خرج من رحم الألم والمعاناة
فن الواو فن جنوبي خرج من قلب الصعيد الجواني، فلا يمكن أن تقول إن هناك فن واو بحري مثلاً، فهذا الشعر كان سببه الحقيقي شكوى الحكام والجابي، بهذه الكلمات قدم الشاعر عبد الستار سليم رائد "فن الواو" الصعيدي نفسه وفنه في ندوة الصالون الثقافي بنقابة الصحفيين.
مستطردا: هذا الفن تكوت أبياته على وزن مستفعل فاعلات، مستفعل فاعلات، مستخدما "بحر مجزوء" الذي لا يحتاج إلى نفس طويل لذلك استسهلوه لقصره، وسموه وتد مجموع.
كما قال ابن عروس:
لا بد من يوم معلوم
تترد فيه المظالم
أبيض على كل مظلوم
أسود على كل ظالم.
وكتبت أنا على نفس وزن البحر:
أول كلامي حاصلي
على اللي الغزالة مشت له
وأحكي على اللي حصلي
وازرع همومي في مشاتله.
وهناك مربعات على شكل فن الواو لكنها ليست منه، وكتبت فيها
يوم ما نابليون أتانا
قوم عشان يبلفنا أسلم
واشترى من السوق "اتانا"
وقال أهو نركبها أسلم.
بمعنى أنه أراد ركوب الحمير ليكون قريبا من الناس، وهذا ليس من فن الواو رغم تشابهما، لأنه ليس على نفس البحر.
وقد انتقد سليم محدودية جوائز الشعر مقارنة بجوائز الأعمال السردية والنقدية.
وأكد أن من أهم مواصفات فن الواو أنه تراثي، لا يصح استخدام كلمات حديثة فيه، كما أنه فن شفاهي، لذا لم يكن يقبل أن يقوله شاعر متعلم، فكان شعراء الواو أميين لا يقرأون ولا يكتبون.
مضيفا: بيرم التونسي كان يكتب مربعات تنتمي للمربع الزجلي، لكنها ليست من فن الواو حيث كان لا يستخدم الكلمات الجنوبية الخالصة.
ومن الجناس التام في فن الواو:
طبيب الطبابة أسال مان
والعقل مني جناين
شوف سقع طوبة أسلمان
تلف تمرها والجناين.
وأشار إلى أن فن الواو لم يخرج هكذا شيطانيا لكنه تواتر على ألسنة "القوالين" متأثرا باللغة العربية الأم، مثل:
ولا حد خالي من الهم
حتى قلوع المراكب
اوعاك تقول للندل يا عم
لو كان على السرج راكب.
ولهذا المربع صيغة أخرى هي:
ولا حد خالي من الهم
حتى السعف في جريده
أوعى تقول للندل يا عم
لو كان روحك في إيده.
وصيغة ثالثة تقول:
ولا حد خالي من الهم
حتى الحصى في الأراضي
لا له مصارين ولا دم
ولا هو من الهم فاضي.
وانتقد سليم تقاعس نوادي الأدب بقصور الثقافة عن تنفيذ مشروع توثيق فن الواو، وتجاهل قطاعات الوزارة لهذا الفن الجنوبي القديم، فهذا الفن إن لم يحفظه مشروع قومي وينقله لذاكرة الأجيال القادمة فإنه سيندثر.
وفي مداخلة للكاتب الصحفي جمال أبوعليوة أوضح تشابه فن الواو كشعر مصري أصيل مع الشعر العراقي الجنوبي، في حين شرح الشاعر عبدالستار سليم أن هذا الفن في العراق يسمى "الأبوزية"، وفي فلسطين "العتابة"، لكنها ليست واوا كما شعرنا الجنوبي الخاص بمصر، فهذا الفن بعبقريته ذكر أسماء القرى في مصر في تضفيرة رائعة قلما تجدها فن آخر، وذكر الكثير من أحوال الناس في الصعيد.
وفي مداخلته وصف الكاتب الصحفي عادل سعد مؤسس مركز التراث بدار الهلال، ورئيس تحرير جريدة "الصباح" حالة شعرية شديدة الصلة بالصعيد المصري وهي فن العديد، فالعدودة فن منزه عن الأغراض وبلا أهداف لرثاء ميت، يتصف بالصدق، ويختلف تماما عن شعر المديح.
فذكر حادثة موت أمه شابة وجاءت "الشريفة أم محمود" لترثي أمه "شربات" قائلة: الدود يقول للدود تأكل الحواجب ولا العيون السود.
وذكر سليم أن "فن الواو" بدأ بوجود شاعر القرية فى الأمسيات القروية البسيطة، يحكي السيرة الهلالية، بكلام منغّم وكان هذا الرجل الأمّى.
وكان في بداياته شكوى من الحكام والمحتسبين ورجال الحاكم وجامعي الضرائب، فهو يبدأ الكلام بمقولته الشهيرة "يقول الشاعر" ليضع على لسان هذا الشاعر المجهول ما يريد أن ينتقد به الحاكم، وجاءت كلمة الواو من كثرة واوات العطف من القوالين الذين يبدأون الكلام (وقال الشاعر).
وهذا ما عرفته من مداومتي على حضور سامر القوّال، وعرفته أكثر عندما كبرت، وتعرفت على الفرق بين قوله، وبين ما تقوله والدتي من بكائيات عل الراحلين الغوالي من الأهل والأقارب.
واستطرد سليم: ارتبط فن الواو بأهل الصعيد من الناحية التاريخية، فمنذ فترة حكم المماليك والأتراك لمصر كان الصعيد يشكو من الإهمال، والفقر، والجهل، والمرض، ولكن لم يكن محروما من تواجد "المحتسب"، تلك الشخصية البغيضة لأهالي قرى صعيد مصر، فهو الشخص المسئول من قِبَل الحاكم المملوكي أو التركي المقيم في قصره ولا يعلم شيئا عن معاناة الفقراء والغلابة والمُعْدَمين، ولا يهمه إلا جمع الضرائب لبناء القصور، وإقامة الحدائق الغنّاء، فى (القاهرة، مصر المحروسة)، ويشترى المماليك والعبيد والجوارى، وفى مثل هذا المناخ، وعلى طريقة الحاجة أُم الاختراع ابتدع أهل الصعيد هذا الفن الشفاهي، وكانت أغراضه تنحصر فى شكوى الزمان، وغدر الخلّان.
ولجوء فن الواو إلى التورية والجناسات اللغوية، والكلام غير المباشر، حتى يستطيع الإفلات من الرقابة الصارمة التى تفرضها عصور الاستبداد، لذا تعتمد قوافيه على التداخل الصوتي من حيث التقطيع والاتصال، كما يحافظ على القوافى منطوقة لا مكتوبة، كما كان القؤال يتوارى هربا من المحتسب والعسس، ويعد هذا الفن وعاء للحكمة، وتلخيص المعاني الكبيرة ذات الطابع الفلسفي الموروث.
وطالب سليم قائلاً: هذا ليس شعر عبد الستار سليم، هو شعر مصر، شعر المصريين القدماء، وإن لم تبادروا برعايته، سوف يندثر، وتُحرمون الأجيال الجديدة القادمة من الاطلاع على تراث أجدادهم.
وجدير بالذكر أن الصالون الثقافي بنقابة الصحفيين يدير نقاشاته الكاتب الصحفي محمود الشيخ، وحضره كل من الكتاب الصحفيين، عادل سعد، أحمد نجيب، جمال أبو عليوة، أحمد نجيب، ومجموعة كبيرة من شباب الصحفيين.
ولم تكن الندوة مجرد عرض لإصدار بعينه، بقدر ما كانت تفاعل حي بين الحضور وبين الشاعر عبدالستار سليم، ولإلقاء الضوء على فن تراثي عظيم كفن الواو، والتعريف بأهم ما يميزه، وكيفية التفرقة بينه وبين فنون أدبية وشعرية أخرى قد تلتبس على المتلقي.
يذكر أن الشاعر عبد الستار سليم يعد أحد حراس فن الواو، حيث جمع نصوصه من أفواه القوالين.
جدير بالذكر أن سليم أصدر ما يقرب من 15 ديوانا، وغنى أشعاره المطربين محمد حمام، وعليا التونسية، وعبد اللطيف التلباني.
|