القاهرة 08 يونيو 2023 الساعة 02:40 م

بقلم: د. حسين عبد البصير
اسم مصر من الأشياء المميزة التي مرت بتطورات عديدة إلى أن وصلت إلى اسمها الحالي "مصر"، ويعد من الأمور المثيرة للتساؤل اختلاف تسمية مصر في اللغات الغربية..
واسم مصر، على عكس كل بلاد العالم، غير مشتق من اسمها العربي الحالي، فهي مثلاً في اللغة الإنجليزية تُنطق "إيجيبت"، وفي معظم اللغات الغربية جاء اسم مصر من لفظ "إيجيبت"، وليس من اسم "مصر" الحالي، فما السر وراء تلك التسمية ومن أين جاءت؟!
تعددت الأسماء والصفات التي أُطلقت على مصر، خصوصًا في مصر القديمة، وقد جاء اسم مصر في اللغة الإنجليزية "إيجيبت" من التعبير المصري القديم "حوت كا بتاح" -ويعنى "معبد قرين بتاح"- وهو اسم معبد مصري قديم خُصص للمعبود المصري القديم "بتاح"، إله مدينة "منف" العاصمة المصرية القديمة.
ويطلق المصريون على مدينة القاهرة العاصمة "مصر"، مختزلين اسم بلدهم في عاصمتهم، وتبدأ قصة الحضارة المصرية المكتوبة في حوالي العام 3000 قبل الميلاد، حين أبدعت مصر القديمة الكتابة وأدخلت العالم إلى دنيا التدوين فتراكمت الخبرة الإنسانية والتراثية وحافظت على الذاكرة البشرية من الضياع، وهذا العصر هو عصر المركزية والذي سوف يستمر طويلاً ويصبح سمة غالبة للإدارة المصرية عبر تاريخها الطويل، خصوصًا في عصور القوة، وسوف يتحول كثيرًا إلى عقبة في مسيرة التنمية والقضاء على المركزية في صنع القرار.
وقد حملت الكتابة المصرية القديمة لمصر القديمة أكثر من اسم، وكان من ضمنها اسم "كيمت"، ومعناها "السمراء" أو "الأرض السمراء"، وذلك في إشارة إلى تربة مصر السمراء الخصبة في مقابل الصحراء القاحلة، والتي أطلق عليها المصريون القدماء اسم "دِشر" بمعنى "الأحمر" أو "الأرض الحمراء" في إشارة إلى افتقارها إلى مقومات الخصوبة والزراعة، وذلك لتمييزها عن دلتا النيل الخصبة، وأيضًا وادي النيل، ذلك الشريط الأسمر الضيق الموجود في وادي النيل، كما أطلق أيضًا المصريون القدماء على بلادهم اسم "كيمت تا مِري"، أي "كيمت السمراء الأرض المحبوبة"، أو فقط "تا ميري"، بمعنى "الأرض المحبوبة".
• "إيجيبت"
يعود أصل كلمة "إيجيبت" إلى تعبير من ضمن التعبيرات التي كانت تُطلق على مصر في الكتابة المصرية القديمة، وهو تعبير "حوت كا بتاح"، ويعني "مقر قرين الإله بتاح في عصر الدولة الحديثة، وهو واحد من ضمن التسميات لواحد من أشهر معابد الإله الخالق "بتاح"، رب مدينة "منف" العاصمة الأزلية لمصر القديمة، وهي قرية ميت رهينة، أو طريق الأسود، التابع لمركز البدرشين في محافظة الجيزة الحالية، وأغلب الظن أن المصريين القدماء قد استخدموا ذلك الاسم الخاص بأهم معبد في العاصمة المصرية القديمة آنذاك وأطلقوه على مصر ككل.
بمرور الزمن تحور التعبير، وظهر اسم مصر تحت اسم "آيجوبتس" في ملحمة الشاعر الإغريقي الأشهر "هوميروس" المعروفة باسم "الأوديسية"، والتي أُلفت في نهاية القرن الثامن قبل الميلاد في منطقة أيونيا اليونانية الساحلية، وهذا يعني أن اسم مصر كان معروفًا عند الإغريق القدماء بذلك الشكل.
• "حوت كا بتاح"
عند تفحص ذلك الاسم نجد أنه مشتق من التعبير المصري القديم "حوت كا بتاح" أو " معبد قرين الإله بتاح"، وعندما دخل اليونانيون مصر القديمة وجدوا صعوبة كبيرة للغاية في نطق حروف معينة في ذلك التعبير، وكان من ضمنها حرف "الحاء"، الذي كان بداية ونهاية ذلك التعبير الدال على مصر القديمة، فقاموا باستبدال حرف "الكاف" بحرف "الجيم"، ومن ثم تحول التعبير إلى "حوت أيجوبت".
ومن المعروف أن الإغريق القدماء كانوا يضيفون حرف "السين" مسبوقًا بحرف من حروف الحركة في نهاية الكلام؛ لذا أصبح الاسم النهائي لمصر القديمة عند الإغريق القدماء هو "أيجوبتس"، كما ورد في ملحمة "الأوديسية" لشاعر الإغريق الأشهر "هوميروس"، ومن خلال ذلك النطق الإغريق القديم دخل اسم مصر إلى اللغات الأوروبية الحديثة؛ فصار اسم مصر "إيجيبت" في اللغة الإنجليزية واللغة الفرنسية، و"أُيجبتن" في اللغة الألمانية، و"إيجتو" في اللغة الإيطالية، و"إيخبتو" في اللغة الإسبانية، وهكذا في غيرها من اللغات.
• العرب والقبطي:
من كلمة "آيجوبتس"، جاءت تسمية "آيجوبتي"، أي "مصري" أو "المواطن الذي يعيش في "آيجوبتس"، وعندما دخل العرب المسلمون الفاتحون أرض مصر على يديَّ القائد العربي الشهير عمرو بن العاص في حوالي عام 640 ميلادية، وجد العرب صعوبة بالغة في نطق "أيجوبتي"، فقاموا بنطقها على ذلك النحو "آيقوبطي" أو "قبطي"، وما يهمنا في هذا الشأن أن كلمة "قبطي" في التاريخ القديم تعني "المواطن المصري"؛ وذلك بغض النظر عن ديانته سواء أكان قبطيًا مسلمًا، أو قبطيًا مسيحيًا، أو غير ذلك، غير أن الشيء المؤكد أن قبطي تعني "مصري" أي أنه من مصر ويعيش على أرض مصر الخالدة، ثم تطور الأمر وصار البعض يستخدم ككلمة أو وصف "قبطي" عند الإشارة إلى مسيحيي مصر فقط؛ وذلك لتمييزهم عن المسيحيين في أي مكان آخر، على غير حقيقة الاسم الأصلي ودلالته.
• أصل اسم "مصر":
أما عن كلمة "مصر" الحديثة في اللغة العربية، وفي الوقت الحالي، فهناك من العلماء من يرى أنها مشتقة من الكلمة المصرية القديمة "مِدجِر"، والتي تنطق أيضًا "مِدشِر" وتعني "الحد" أو "الحاجز"، أو قد تعني "المُحصَّن"، وبما أن مصر محصنة بالطبيعة، وبحفظ الله سبحانه وتعالي، فسموها بذلك الاسم، غير أن ذلك الرأي قد يكون بعيدًا عن أصل اسم مصر.
وهناك من العلماء من يرى أن اسم مصر الحالي في اللغة العربية "مصر"، جاء من "مصر" أي مفرد الأمصار، أي بلد من البلاد، وكما ورد اسم مصر في القرآن الكريم، فإنه "مصر" من الأمصار، أو بلد من البلدان أو قطر من الأقطار.
هذا هو التطور المتعدد لاسم مصر منذ أيام المصريين القدماء إلى الآن.
|