القاهرة 04 يونيو 2023 الساعة 05:26 م

إن الحرب تدفع الإنسان إلى المجهول، إذ لا أهمية لأي شيء سوى الإحساس بالأمان، إذن السؤال هو: هل يجب أن يحذر العالم الآن مما ستؤول إليه الحياة بعد قليل؟ إن التباين في اليقين بالقدرة على إيجاد إجابة لهذا السؤال فقط؛ هي الإجابة الصحيحة!!
منذ مائة وخمسين عامًا تقريبًا أخذت أشكال الصراع بين البشر منحى أكثر عنفًا، وبدأ المتصارعون في الاستعانة بأدوات قتالية كان الإنسان البدائي القديم فكر في صناعتها لاستخدامها في الصيد والدفاع عن النفس ضد هجمات الحيوانات المفترسة، وسريعًا ما أصبح الإنسان لأخيه الإنسان عدوا، كلاهما يريد أن يفترس الآخر، ومع تضخم الغرائز الإنسانية نحو الاستحواذ والسيطرة والامتلاك التحكم، كبرت احتياجاتهم للبقاء وإلى وسائل الوصول إلى هذه الغاية، وأيضًا الحفاظ على ما وصل إليه، ومن هنا دخل الإنسان مرحلة حديثة من مراحل الصراع باستخدام الأسلحة، وانتقلت الصراعات إلى الحروب الأهلية والإقليمية والدولية والعالمية التي سجلت خلالها أكثر الجرائم الدموية التي ارتكبها الإنسان عبر التاريخ.
ولقد شهدت نصف البلدان العربية تقريبًا نزاعات داخلية منذ عام 1960، كما عانت ثلث هذه البلدان من حروب أهلية طاحنة، ومنذ نهاية الحرب الباردة وتحديدا منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ظهرت مجموعة كبيرة من أبحاث العلوم الاجتماعية التي تستخدم أساليب كمية لدراسة الارتباطات بين النزاعات العنيفة والأزمات الإنسانية وعدم الاستقرار السياسي.
واحتلت القارة الإفريقية المرتبة الأولى بين قارات العالم من حيث كثرة عدد الحروب والصراعات الأهلية التي عانت ومازالت تعاني منها الكثير من دولها، إلا عدد قليل استطاع أن يحافظ على استقراره منذ الاستقلال في ستينيات القرن الماضي.
فهناك صراعات دموية في اغلب الأحيان، كما حدث في رواندا وبروندي وغيرهما من الدول الإفريقية، وذكرت الإحصائيات أن هناك حوالي 35 نزاعًا داخليًا وصراعًا حدثت في العالم كله في الفترة من عام 1990 وحتى عام 1995، كان لأفريقيا فيها النصيب الأكبر، إذ شهدت وحدها 16 حربًا ونزاعًا داخليًا خلال نفس الفترة.
واليوم ونحن على مشارف نهاية الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، في العام 2023، ما زالت النزاعات والصراعات والحروب هي المحرك الأول لكل ما يحدث في محيط الإنسان فوق كوكب الأرض، تؤثر الحروب والصراعات على (الإنسان، البيئة، الأرض، البحر، النهر) كما تؤثر على شكل حياة الإنسان (أمنيًا، اقتصاديًا، سياسيًا، اجتماعيًا، ثقافيًا)، وتدفع البشرية إلي حياة جديدة ولكنها أشر حياة قد يحيا فيها الإنسان، إن الحرب تدفع الإنسان إلى المجهول، حيث لا أهمية لأي شيء سوى الإحساس بالأمان.
وهناك على بعد ألفين ومائة وست وستين ألف كيلو متر (2166 كم) وهي طول المسافة من القاهرة إلي الخرطوم، في العاصمة السودانية، فإن الحرب على أهبتها، إذ اشتبكت قوات الجيش السوداني مع قوات الدعم السريع، فكان بينهما نزاع تصاعد إلى أقصى معدلاته، إلى أن شن أحداهما هجومًا على الآخر أسفر عن حرب أهلية جعلت الحياة مستحيلة، في وطن العيش فيه ذهاب إلى المجهول والفرار منه إلى مجهول أكثر غموضًا، ولكن في رحاب وطن مضيف.
|