القاهرة 31 مايو 2023 الساعة 11:10 م

بقلم: أحمد محمد صلاح
ماذا لو لم تعرف الإنسانية الفلسفة؟!
سؤال لا بد من طرحه قبل أن أكتب هذه السلسلة، وحتما سنجد الإجابة في نهايتها..
الفلسفة، ذلك العلم الذي نشأ كطبيعة حتمية لفكر بشري كان يتطور ويزهر وينمو، يدوَّن ويكتب، سجالات ومجادلات، مدارس ورموز، حياة كاملة، لذة عقلية..ثم.. علم كامل..
ويقول الكاتب جرجس شكري في مقدمه كتاب "فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط" لمؤلفة د. أحمد فؤاد الأهواني ماذا لو لم تعرف الإنسانية الفلسفة اليونانية؟ كيف سيكون تاريخ الفكر الإنساني دون سقراط، وأفلاطون، وأرسطو، وسواهم من فلاسفة الإغريق؟ ليس من قبيل المبالغة أن يتفق الجميع علي أن الثقافة الأوروبية بلغت قمة مجدها في بلدين: اليونان القديمة، وإيطاليا في عصر النهضة، هذه الفلسفة التي ولدت في بقعة صغيرة من العالم، بقعة تشبه اليد التي تمتد أصابعها الملتوية إلى داخل البحر الأبيض المتوسط، أضاءت الطريق ليس فقط للغرب، بل للإنسانية كلها، وحتى حين عرف الإنسان الأديان السماوية لم يتخل عنها، بل كانت إحدى ركائز المسيحية، وإن حدث تصادم في البداية فإن العقل البشري الذي يعرف قيمة هذا الناتج الحضاري انتصر لها، وفيما بعد كان أثرها واضح على الفلسفة المسيحية، وفي الإسلام نهل منها ابن رشد، والفارابي، وابن سينا، وسواهم، فقد وجدوا فيها ضالتهم المنشودة، كما وجدها العقل الإنساني قبل الميلاد حين ناقش الوجود الغامض والأفعال الانسانية المستعصية على الفهم، مثل الخير والشر، لقد حاول هؤلاء البحث في حقيقة الأشياء وطبيعة الوجود.."
إن الفسقة من وجهة نظري هي لذة عقلية، نوع من المكيفات شديدة التأثير إذا سمح لي بالقول.. الفلسفة هي الفكر الكلي المجرد.. كل ذلك ونحن لم نلج بعدا إلى تعريف الفلسفة..
الفلسفة كمصطلح هي حب الحكمة، جاءت من الكلمة اليونانية philosophia، والحكمة هنا التي نقصدها هي دراسة الأسئلة العامة والأساسية التي ترد علي الذهن البشري، منها الوجود، والمعرفة، والقيم، والعقل، والاستدلال، واللغة، وغيرها من الموضوعات التي تطرح كمسائل لدراستها وحلها.
البعض يقول إن كلمة "فلسفة" أو حب الحكمة قد صاغها الفيلسوف وعالم الرياضات فيثاغورس، وتشمل في منهجه أساليب المناقشة والاستدلال والحجج المنطقية وكذلك العرض المنهجي، وتشمل الأسئلة الفلسفية الكلاسيكية: هل من الممكن معرفة أي شيء وإثباته، ما هو الأكثر واقعية، وهكذا... حتى نصل إلى الأسئلة المحرمة، وهي الأسئلة التي تسبب جدل بين المشتغل بالفلسفة وبين الذي لا يشتغل بها، فيظن به الخبل والجنون، وقد ينعته ويتهمه بالكفر والإلحاد والتجديف في ثوابت الدين مثلا.
• الفلسفة هي علم العلوم
كانت الفلسفة هي العلم الذي يبحث في كل العلوم دون خط محدد أو منهاج علمي واضح، فكانت تشمل أي مجموعة من المعارف مثل الفلك، والطب، والرياضيات، والفيزياء، وأيضا السياسة، وعلم النفس، وعلوم الاجتماع، والأخلاق، والجمال، بل والفن أيضا..
ويقول أ. س رابوبورت في كتابه "مبادئ الفلسفة" معرفا الفلسفة والفيلسوف "شاع بين الناس أن الفلسفة موضوع لا تتناوله إلا عقول خاصة، وأنها لا تلذ إلا لقوم نظريين لم يروا في الحياة خيرا من أن يجهدوا عقولهم في حل مسائل هي إلى الخيال أقرب منها إلى الحقيقة، وأنها تبحث في خيالات عقيمة لا ينبني عليها في الحياة عمل، وإنهم في زعمهم لمخطئين..
فلم يرفع الإنسان عن مستوى الحيوان إلا فكره وقوته العاقلة، فالحيوان يرى ويسمع بل ويتذكر، ولكنه لا يستخدم هذه القوى إلا في حاجاته الوقتية، أما الإنسان فيرى ظواهر الكون على اختلاف أنواعها فيتصورها ويكون له فيها رأي، ثم يجتهد في تعرف عللها وعلاقة حقائق الكون بظواهره؛ وهذا طريق فهم الشيء فهما واضحا، فإن فعل هذا قلنا: إنه يتفلسف، ولا نعني بهذه الكلمة إلا أنه يفكر في شيء خاص -ذاتا كان أو معنى- ويحاول الإجابة على هذه الأسئلة:
ما هذا الشيء الذي يبحث فيه عقلنا؟
ما أصله؟
ما علاقته بغيره من الذوات أو المعاني؟
وبعبارة أخرى فإن معنى "يتفلسف" أي يبحث في ماهية الأشياء وأصولها، وعلاقة بعضها ببعض، وليس يخلو إنسان من هذا العمل وقتا ما، لكن يمكننا القول: إن كل إنسان متوسط الفكر يتفلسف، وإن كل الناس فلاسفة إلى حد ما، مع تفاوت فيما بينهم، إلا من استعبدته شهواته وانغمس في اللذائذ المادية، إلا أن كلمة "فيلسوف" إذا استعملت بدقة لا تطلق إلا على من ينظر إلى الشيء أحيانا فيتأمله ويفحصه أو يشك فيه، ثم يرى فيه رأيا يعتقده ويتمسك به.
|