القاهرة 30 مايو 2023 الساعة 01:29 م

بقلم: د. حسين عبد البصير
اقتصرت مصادر عصور ما قبل التاريخ أو الدهور الحجرية القديمة، على ما تركه الإنسان الأول، في مصر وغيرها، من أدوات بدائية متواضعة صنع أغلبها من الحجر، وصنع بعضها من قطع فروع الأشجار وعظام الحيوانات وقرونها وأنيابها. وما خلفه ذلك الإنسان أحيانًا من رسوم أولية بدائية تمثل طفولة الفن البدائي المتأثر بأوهام السحر وبدايات العقائد الدينية. ثم ما تركه في أواخر تلك الدهور من بقايا أدوات الزراعة الأولية وما شابهها من الحرف البسيطة وأواني وأدوات الاستعمال اليومي، وقطع الحلي والزينة المناسبة لعصرها، فضلاً عن المقابر الصغيرة وبقايا الهياكل الشرية والحيوانية الموجودة بها. وتعددت مصادر العصور التاريخية القديمة الأصلية تعددًا كبيرًا. ومن أهم مصادر حياتها السياسية الداخلية والخارجية ما نقشه الفنانون والمؤرخون المصريون كتابة وتصويرًا من أعمال الملوك الحربية والمدنية والدينية على النصب الحجرية وعلى المسلات وجدران المعابد، ثم ما سجلوه من قوائم أسماء ملوك العهود الغابرة أو السابقة المتعاقبة.
• حجر باليرمو
يعد حجر باليرمو من أشهر المصادر التاريخية في مصر القديمة. وسجل أسماء ملوك مصر منذ ما قبل الأسرات حتى عهد الملك ني-وسر-رع في منتصف عصر الأسرة الخامسة وبداية القرن الخامس والعشرين ق.م. وتكمن أهمية هذا الحجر في أنه شُفع بعض تلك الأسماء من ملوك مصر القديمة بمدد حكمهم وأهم منجزاتهم وحروبهم وأعيادهم وطقوسهم الدينية.
ونقل الجزء الأكبر من ذلك الحجر إلى متحف باليرمو في القرن الماضي، وبقيت أجزاء أخرى صغيرة منه في متحف القاهرة. وسُمي بذلك الاسم؛ نظرًا لوجوده الآن في متحف باليرمو بإيطاليا. وهو عبارة عن قطع منفصلة من لوحة حجرية كانت منحوتة من البازلت. وكان ارتفاع اللوحة الأصلية حوالي مترين وعرضها كان يصل تقريبًا إلى نصف المتر.
• قائمة الكرنك
تضمن قائمة الكرنك التي سُجلت على جدار في معبد الإله آمون بمعابد الكرنك بمدينة الأقصر من عهد الملك تحتمس الثالث في النصف الأول من القرن الخامس عشر قبل الميلاد. وتذكر أسماء الفراعنة الذين حكموا مصر منذ عصر الأسرة الأولى. وهي أسماء واحدًا وستين ملكًا من أسلاف الملك تحتمس الثالث. تبين القائمة الملك تحتمس الثالث واقفًا يقدم قرابين على أرواح 61 ملكًا جالسين أمامه. ويوجد بجانب كل ملك اسمه في هيئة خرطوش. وتصور القائمة الملك تحتمس الثالث عند قيامه بتوسيع معبد آمون، وقيامه بنقلهم إلى أماكن أخرى. ولا تقدم القائمة التتابع الزمني للملوك المصريين القدماء، ولكن أهميتها تنبع من ذكرها لملوك عصر الانتقال الأول وعصر الانتقال الثاني، الذين لم تذكرهم القوائم الأخرى.
تذكر قائمة ملوك الملك تحتمس الثالث بالكرنك الجملة التالية:
"الملك من خبر رع (تحتمس الثالث) عسى أن يتمتع بالحياة والدوام والقوة والصحة مثل رع الأبدي. تقديم قربان "حتب-دي-نسوت" (أي قربان يقدمه الملك) لملوك مصر العليا والسفلى."
نُقلت القائمة في القرن الماضي إلى متحف اللوفر في العاصمة الفرنسية باريس.
• قائمة أبيدوس
كما تضمنت قائمة أبيدوس التي سُجلت داخل معبد أُنشئ في عهد الملك سيتي الأول في أواخر القرن الرابع عشر قبل الميلاد 76 اسمًا ملكيًا كان من المفروض أن تُقدم القرابين إلى أصحابها باعتبارهم يمثلون الدوحة المقدسة التي ينتسب إليه الحاكم سيتي الأول. وتلك القائمة منقوشة على جدار في غرفة على هيئة ممر في معبد أبيدوس الذي شيده الملك سيتي الأول في أبيدوس في سوهاج في صعيد مصر. ثم أضاف إليه ابنه وخليفته الملك رمسيس الثاني. ويطلق على ذلك البهو "بهو الأجداد"، أو "بهو التسجيلات". وتُظهر تلك القائمة بجلاء تسلسل ملوك مصر منذ الملك "مينا"، أول ملوك الأسرة الأولى، وتنتهي القائمة بالملك سيتي الأول نفسه. غير أنه وعلى الرغم من أهمية تلك القائمة، فإنها قد سجلت أسماء ملوك مصر من وجهة نظر الملك سيتي الأول الشخصية، فنراه لا يذكر اسم الملكة حتشبسوت على سبيل المثال، وكذلك لم يذكر ملوك مصر في فترة العمارنة أمثال أخناتون وسمنخكارع وتوت عنخ آمون.
• قائمة تورين
امتازت قائمة تورين التي دونت في القرن الثالث عشر قبل الميلاد في عهد الملك رمسيس الثاني (1279 – 1213 ق.م.)، بتسجيلها على بردية تاريخية، والتزامها بتصنيف بعض أسمائها في مجموعات وأسر ملكية، واهتمامها بتقصي مدد حكم بعضهم بالأعوام والشهور والأيام. وتكمن أهميتها في أنها احتوت على أسماء 300 ملك وحاكم لمصر القديمة، ولكنها للأسف لم تصلنا كاملة. ونصها مكتوب بالخط الهيراطيقي. وقد اهتمت بعض النصوص الفردية لكبار رجال الدولة بتسجيل ما قام به أصحابها من أعمال ووظائف وبعثات ومنشآت. وتضمنت قائمة الأسماء المدونة على البردية إلى جانب الملوك المصريين، أسماء ملوك الهكسوس (الحكام الأجانب، والذين أطلق عليهم المصري القديم: "حكاو-خاسوت"، أي "حكام البلاد الأجنبية"). وذلك يجعل من بردية تورين ذات أهمية؛ لأن قوائم الملوك الأخرى كانت تحذف الهكسوس منها؛ لأنهم كانوا يُعتبرون غزاة وأعداء. وإمعانًا في التخصيص وضع الكاتب لقب "أجنبي" بجانب اسم الحاكم الهكسوسي.
• قائمة سقارة
تضمنت قائمة سقارة التي سُجلت في مقبرة تينري، أحد كبار كهنة عهد الملك رمسيس الثاني في النصف الأخير من القرن الثالث عشر قبل الميلاد، عدد 58 اسمًا ملكيًا. ونُقلت حديثًا إلى المتحف المصري بميدان التحرير في القاهرة.
يتمثل آخر المصادر في كتابات الرحالة والمؤرخين والعلماء والأثريين الذين يعتمد على كتاباتهم أغلب الدارسين والباحثين الآن، أمثال هيرودوت وسترابو وديودورس الصقلي وبلوتارخ وآريانوس وأرستياس وسينيكا وأولوس وجلليوس وإميانوس ومارقللينوس وأوروسيس وعبد اللطيف البغدادي والمقريزي والجبرتي وابن بطوطة وفلندرز بتري وعبد العزيز صالح وأحمد فخري وسليم حسن وغيرهم.
|