القاهرة 24 مايو 2023 الساعة 11:05 ص

بقلم: أحمد محمد صلاح
تعددت المدارس التشكيلية في القرن العشرين، وتعددت الاتجاهات الفنية، بل كان في كل منطقة مدرسة خاصة بها، بل تفرعت من تلك المدارس مدارس فرعية اصطبغت بصبغة المنطقة أو بمعنى أكثر تحديدا الثقافة التي بها..
• المدرسة التجريدية:
استمد فنانو المدرسة التجريبية فلسفتهم من كتابات الفيلسوف الألماني نيتشه (1844 ـ 1900) الذي أرسى مبادئ المادية ووجه الجماليات كلها نحو الجسد، في مقابل الروح، ونستطيع أن نقول إن رائد هذه المدرسة هو كازيمير ماليفيتش (1878 ـ 1935) وهو فنان روسي امتازت لوحاته بتشكيلات هندسية شديدة البساطة، مربعات ومستطيلات مع بعض الخطوط المنحنية وتميزت ألمانه بالقوة..
ومن هنا اهتمت المدرسة التجريدية بالأصل الطبيعي، والرؤية من منظور هندسي مجرد، حيث تتحول المناظر الطبيعية إلى مثلثات ومربعات ودوائر، وتظهر اللوحة التجريدية أشبه ما تكون بقصاصات الورق المتراكمة أو بقطع الصخور، في إيقاعات مترابطة ليس لها دلائل بصرية مباشرة وإن كانت تحمل خلاصة التجربة التشكيلية التي مر بها الفنان من منظور فلسفي.
ومصطلح "تجريد" يعني التخلص من زوائد الواقع المرتبط به، فمثلا الجسم به جزء كروي مثل البطن، فلا داعي لرسم البطن كلها وانما يمكن الاكتفاء برسم دائرة فقط، وهكذا..
كذلك تتعدد الأشكال الكروية في الفن التجريدي فقد تكون تلك الدائرة ترمز إلى الشمس مثلا أو تفاحة، كل ذلك يظهر في سياق اللوحة التي لابد وأن ينظر لها بضع دقائق وأحيانا ساعات ولا تمر عليها العين مر الكرام.
والتجريد ليس جامدا إلى حد كبير، فقد تكون اللوحة بها ظلال أو الوان متعددة، وهو ما نجح فيه الفنان الروسي فاسيلي كاندسكي (1866 ـ 1944) الذي استطاع بث الروح في مربعاته ومستطيلاته وخطوطه المنحنية، بإعطائها ألوانا وترتيبا وفق نظام معين.
وقد تطور الفن التجريدي إلى الفن التجريدي الزخرفي، وهو فرع من المدرسة التجريدية يعتمد على تجريد الأشكال الحقيقية والخيالية، مع ادخال الزخارف في الأعمال بحيث تصلح تلك الأعمال في الاستعانة بها في فنون الديكور.
• المدرسة السيريالية:
المدرسة السيريالية أو في معني آخر "الفوق واقعية" هي حركة ثقافية في الفن والأدب تهدف إلى التعبير عن العقل الباطن بصورة غير منظمة وبدون منطق، فهي تلقائية ونفسية خالصة، ومن خلالها يمكن التعبير عن الواقع أو غيره بقواعد مركبة بعيدة كل البعد عن أي تحكم خارجي أو مراقبة تمارس من قبل العقل أو المنطق.
ازدهرت المدرسة السيريالية خلال العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين، ويعد من ابرز فنانيها الفنان الأسباني سلفادور دالي (1904 ـ 1989).
وكما اعتمد رواد المدرسة التجريدية على فلسفة نيتشه، فقد اعتمد رواد المدرسة السيريالية على نظريات فرويد رائد التحليل النفسي، خاصة فيما يتعلق بتفسير الأحلام، التي هي أساس أو لنقول بشكل أكثر دقة إنها مصدر استلهام فنانيها لأعمالهم.
وتعتمد السيريالية على التعبير بالالوان عن الأفكار اللاشعورية والإيمان بالقدرة الهائلة للأحلام، مع التخلص من مبادئ الرسم التقليدية، واستخدام التركيبات الغريبة للألوان مع الخطوط غير المترابطة والاهتمام بالمضمون وليس بالشكل، مما يوحي بالغموض والتعقيد في الأعمال الفنية، وان كانت تحمل في طياتها رموزا لا نهاية لها، إلا أنه مع بعض التدقيق يمكن فك شفرات اللوحات.
ويقول بعض النقاد إن الفنان السيريالي يكون شبه نائم وهو يمسك بالفرشاة، وتخرج انفعالاته التي تصور إحساسه وخواطره دون عوائق مما تظهر ما خلف الحقيقة البصرية الظاهرة، وفي هذه الحالة تكون اللوحة أكثر صدقا.
ويدعو بيان السيرياليين الذي كتبه "أندريه بريتون" في باريس عام 1924 إلى إطلاق سراح الخيال وكأن الإنسان في الرؤيا، حيث يعود إلى فطرته البدائية فيرى العالم ليس إلا ألغازا تتبدى في صورة "رموز" لا يمكن تفسيرها إلا بمنطق ما فوق الواقع، إلا أن مفاهيم "فرويد" قد عملت على تحديد نوعية هذه "الرموز" عن طريق أبحاثه في الأحلام والتحليل النفسي والطاقات الحبيسة في عالم اللاوعي.
|