القاهرة 16 مايو 2023 الساعة 12:25 م

بقلم: د. حسين عبد البصير
إذا كان هناك مَن يريد تصوير فيلم وثائقي درامي عن ملكة من أفريقيا، فإنني أرشح له بمنتهى القوة الملكة كاتيمالا.
من هي الملكة كاتيمالا؟
عثرنا على لوحة للملكة كاتيمالا في منطقة سمنة في النوبة. وتعد تلك اللوحة دليلاً نصيًا مهمًا على أصول دولة حكام نباتا الكوشيين الذين كانوا موجودين إلى جنوب من مصر في السودان الشقيق. وهي لوحة مهمة بها نص ومنظر يقدمان الملكة كاتيمالا أو كاريمالا (وتُكتب أحيانًا باسم كايمالو) في منطقة سمنة. وتوجد لوحة الملكة كاتيمالا حاليًا في متحف الخرطوم في السودان.
كانت اللوحة موجودة إلى الغرب من الباب الأوسط على واجهة معبد يرجع إلى عصر الدولة الحديثة في سمنة. وتمت إزالة المنظر الأصلي واستبداله بمنظر آخر لملكة نحيفة القوام، مع مرافقتها، تقدم القرابين للإلهة المصرية إيزيس. وربما تعد الملكة الأولى منذ زمن الملكة حتشبسوت التي قدمت نفسها كملكة لمصر العليا والسفلى. وتنتمي تلك الملكة الغامضة إلى الحضارة المروية المتأخرة في التاريخ النوبي. ومن خلال الأسلوب الفني للوحة والنص الهيروغليفي المصري المتأخر المكتوبة عليها، فإن النص المكتوب على اللوحة يسبق اللغة التي تم استخدامها قبل غزو الملك الكوشي بيعنخي، أو بيا، لمصر في بداية عصر الأسرة الخامسة والعشرين الكوشية. ويرجع النص إلى ما قبل الكتابة المروية.
يعني اسم كاتيمالا أو "كَادِي-مِل(يِه)" "المرأة الجميلة" في اللغة المروية القديمة. وربما كانت كاتيمالا جدة لملوك الأسرة الخامس والعشرين الكوشيين. ويناسب ظهورها البارز في تلك اللوحة الطبيعة الأمومية للمجتمع النوبي والظاهرة في النصوص الخاصة بفترة حكام نباتا والمؤسسة المروية المعروفة باسم "كَان كِده" أو "كَان دِسه" أي "الملكة الحاكمة".
يسجل النص نتيجة أحداث عنيفة حرض عليها أحد الأعداء، ويدعى "مكاراش"، بعد فترة هادئة حدثت في عهد أسلاف تلك الملكة، وربما كانوا الملوك المرقمين من الألف إلى الدال، والذين دُفنوا في مقابر الكورو الملكية المبكرة في السودان. وربما كان الملك غير المسمى، والذي تصارع معه العدو "مكاراش"، زوجًا للملكة كاتيمالا. وتشير شجرة العائلة الخاصة بالملك الكوشي أسبلتا (حكم من 600 ق.م.، وتوفى عام 580 ق.م.) إلى ست أجيال من الملكات السابقات، وانتهت بمن حملت لقبي "أخت الملك وسيدة كوش"، والتي من المحتمل أن تكون هي الملكة كاتيمالا، والتي حكمت في حدود العام 850 ق.م.
عاصرت الحاكمة كاتيمالا، أغلب الظن، الفترة من عصر الأسرة الحادية والعشرين إلى عصر الأسرة الثانية والعشرين في مصر القديمة. وعلى الرغم من أن التأريخ الدقيق للنص، وبالتالي كاتيمالا، غير مؤكد، فإنه يمكن افتراض أنه يعود إلى عصر الأسرة الحادية والعشرين أو عصر الثانية والعشرين. وتعد تلك الفترة هي العصر المظلم في التاريخ النوبي، والذي لا يُعرف عنه أي شيء تقريبًا. ويثبت ذلك النص استمرار وجود بعض أشكال السلطة.
حملت كاتيمالا لقبي ابنة الملك والزوجة الملكية العظيمة. وتظهر الملكة وهي ترتدي التاج الريش المزدوج، ورداءً طويلاً، وتمسك بشارات الحكم في يديها. وفي اللوحة، ظهرت كقائدة سياسية فذة وشخصية عسكرية من طراز رفيع. وسيطرت على النوبة السفلى على الأقل في أعقاب أنشطة عسكرية فاشلة بها. ويعد النقش الموجود على لوحة الملكة غير مقروء، ولكنه مثال جيد على الكتابة في النوبة لبيان سياسي ديني يطبق عليه العديد من تقاليد النصوص المكتوبة.
جاءت الملكة كاتيمالا من أفريقيا؛ لتعبر عن أفريقيا بمنتهى القوة في فترة مهمة من تاريخ مصر والنوبة، وتوضح مدى انتشار حضارة مصر القديمة وثقافتها عبر أرض وادي النيل الخالدة. تلك ملكة من أفريقيا العظيمة. وأرشحها بشدة؛ كي يتم عمل فيلم وثائقي دارمي عنها؛ يخلد سيرتها، ويسرد التعايش والتواصل في أرض وحضارة وادي النيل البازغة.
|