القاهرة 09 مايو 2023 الساعة 12:09 م

كتب: سالم الشبانة
اجتذبت الطبيعة في سيناء الكثير من التجمعات البشرية مثل "الأنباط" الذين بَنَوا عاصمتهم "البتراء" على تخوم سيناء، وكان لهم ميناء في مدينة "دهب" الحالية. للطبيعة القاسية الخلابة دور مهم في إلهام قاطنيها رغبة البوح؛ ومواجهة قوى الطبيعة: الجبل، الوادي، وصحراء تتوالد مدَّ البصر؛ الصرامة والشاعرية، والتبدل المستمر، ولمحاولة السيطرة على الطبيعة كانتْ الكلمة التي تواصل الإنسان بها في حِلّهِ وتَرحَاله؛ فهي أرض الشعر الذي لم يفارق أهلها وكان دفتر أحوالهم، أعني الشعرى النَّبَطيَّ الذي من فرسانه الكبار "عنيز أبو سالم" أمير شعرائها؛ فإنتاجه الشعري المتنوع والمتميز تخطي إلى الدائرة الأوسع من متذوقي الشعر في الدول العربية المجاورة.
الشاعر "عنيز سالم سويلم عشيش العرضي الترباني" من قبيلة ترابين عشيرة العرضي، ولد عام 1924 فى منطقة نويبع بجنوب سيناء عاش في العين وادى وتير، تنتشر قبيلة الترابين في منطقة وسط وجنوب سيناء. نشأ عنيز في أسرة فقيرة، توفي والده وترك له بعض الأغنام والإبل، فتاجر في الإبل فترة وكان يبيعها في أسواق فلسطين، ثم تاجر في البن يأتي به من بلاد الشام ويبيعه في مصر، وعلى رغم حدّة الحياة وقسوتها ومشاغله في التجارة؛ إلا أنه كان ملمّا بالشعر النبطى وأشعار البادية، بدأ نظم الشعر مع حداثة سنه، عُرف في محيط أماكن عدة وفي بعض الدول المجاورة: مثل السعودية والأردن وسوريا، وكان كثير السفر إليها. أجرت الصحافة المحلية والأجنبية معه لقاءات عدة اعترافا بموهبته وتميزه الشعري. أحب عنيز حياة السفر والترحال؛ فتنقّل بين المراكز والأقسام، كما تنقل فى أنحاء مصر وبين الدول العربية، أكسبته أسفاره خبرة ودربة لم يكتسبها شاعر من قبل، وكان على دراية بعلم الأنساب وبالقضاء العرفي مهابا فى قومه، له حضور وألمعية وحصافة رأى وبلاغة، فأصبح قاضيا عرفيا. حوّل عنيز أبو سالم الصحراء إلى منتدى ثقافى وأدبى حيث يقصده الشعراء بالليل، ينشدون الشعر عنده ويستمعون الى آخر ما كتب من الشعر، كما كانوا يتبارون معه فى مساجلات شعرية، وكان من أشد المعارضين له الشاعر سلمى الجبري شاعر قبيلة الحويطات.
لم يتعلم عنيز فى مدرسة نظامية، بل كانت الحياة مدرسته، فهو مدرسة شعرية بذاتها، واستحق إمارة الشعر البدوى؛ فكانت البلاغة تجرى على لسانه بسلاسة، رغم أن الألفاظ في شعره خشنة وحوشية فى الغالب، إلا أنها كانت مؤصلة فى القاموس البدوي.
عنيز أبو سالم شاعر فطرة مطبوع، يتميز شعره بالرصانة، والتمكن من فن الشعر؛ فجاءت أشعاره مقفاة الصدر والعجز وتفرّد بهذا عن كل شعراء البادية في مصر.
من أغراضه الشعرية:
الوصف:
اليوم أنا وايقت من فوق حردوب بمربع شوفه يزيح الدخان
ياراكب من عندنا فوق ميدوب العود ضامر للحقب والبطان
أرضم عليه شداد وخريج بهدوب دوس البنات مجدلات الثمانى
ياحلو لما يجن على الخرم سردوب والكل منهم مقتشط له بأمانى
يسوروا لهم منفذ إلى شحتّ البوب لو صار شي من خاطيات الزمان
وأنا طلعتهن على راس حردوب وأنا شوير الربع وأنا المعانى
متقسمين الحمد تقسيم بالنوب ماهم من اللى تاركين المعانى
الفخر:
من ساسنا زين الخصيلات فينا اللى يطعمينا الخطا نطعمه اياه
حنا لفعل أجدادنا ما نسينا وكل ما يغبوبر يحل بطرياه
وياما تلامع زانهن بين يدينا فى ساعة فيها كلام المكازاه
يامـا تلامع زانهن بين ايدينا اللى زرع الخطـا غير يجنـاه
قال مفتخرًا أيضا:
احنا بقوم ولقبونا ترابين وباتت تزعزعنا حروب الدولىّ
تلقى منازلنا قريبة من العين وتلقى مراشقهن علينا تدلى
تلقى دبشنا قليل وباسنا زين وصدورنا من هبة الريح ملىّ
الغزل:
يا أبو براطم زاهيات بالأوصاف حرقت قلبى حرّق الله دارك
طبعك عنود وترزم لىّ وأنا أخاف حلوك لناس وناس تشرب مرارك
كويتنى بالرمش من دون خراف وايش حال عاد اللى روى من قرارك
تهتز فى مشيك تقول عود صفصاف من خوف واحد يشتلق على عوارك
الهجاء:
ياراكب اللى أبوه من زمل طبان يقفى كما يقفى نعام القراويح
ارضم عليه من الخشب عشر عيدان ودويرع دوس البنات الطواطيح
ارخى زمامه واضرب له بمحجان يقطع ملاويحاً بأثر ملاويح
نحيّه عن عربان وأغشية غربان أغشى فريق اللى بهم هبت الريح
ألقّى على محمد وأترك سليمان قلقى عليه من الرجالة ملاميح
وتقول أنا مبعوث من قبلة فلان واللى حوجنى للغلط نايم الريح
الله يلعن لحيته وين ما كان اعداد ما صكت علينا مفاتيح
دنياك مهما طولت مالها أركان لابد ما ترميك بين اللواقيح
يمكن ليالى العز ترجع زى ما كان ونّزه الشيبة على ضمّر الفيح
الحكمة ووصف الرزق وأصناف الناس:
العبد عبد الله لو راد أعطاه والرزق لقمة عيش ما هو ديانة
ونص العدو مهجر ينكره ماه وان أمطر واديه زاده عفانة
ونص الرجال فحول نسوان ورعاه لا ينفعوا طبلة ولا نقرزانة
نعاج يوم يسير هرج المكازاة وجياد يومى سير هرج المجانة
وفيهم طويل وجرم الناس متقاه وعند اللزوم تكتفه من لسانه
وقال يرثي صاحبه:
الموت ع رقاب الرجاجيل جارى والله مفصل فى تقصّر وتطويل
وأطلب له حورية من الحوارى ومنزل يناسب له من أحسن منازيل
أشعر بجسمي مثل طعن الشباري والقلب صار يحط فى الهم ويشيل
لومى على مسلم صديقي وجارى ما دزّ لىّ مرسال من ها المراسيل
أخوك فى الكتّاب بايع وشارى ويوم النهار الشين ينقال ويفيل
والفعل ماة هو مشترى بالمصارى والمرجلة ميراث من جيل لجيل
أنا بعزى بحزن ما هى تحارى لسكانة القبلة وسكانة النيل
هذه محاولة لرسم صورة لشاعر سيناء لكبير عنيز سالم الترباني الذي ملأ الأسماع وتغنى بشعره كل بدوي منتشيا ومعتزا ببداوته، الرجل الذي كان مثالا حقيقيا لفارس الكلمة وصاحب الخلق الطيب، نال مكانته العالية بين البدو لشعريته الفذة المتميزة.
|