القاهرة 09 مايو 2023 الساعة 11:57 ص
بقلم: أنكيتا تشاكرابورتي
ترجمة: سماح ممدوح حسن
صدر للكاتبة الأمريكية "أمينة كاين"، كتابها الجديد بعنوان "حصان في الليل" وهو الكتاب التي تستعرض فيه مشاهدها المفضلة من كُتب الآخرين مجردة من أثقالها.
دائما ما تكون الكتب المتعلقة بقراءة كتب أخرى، وبشكل عام، يكون فعل قرائتها رومانسيا بلا شك. وخير دليل على ذلك هو كتاب أمينة كاين حصان في الليل، وهو أول كتابتها غير الروائية.
منذ عامين كتبت "كاين" روايتها البديعة "اللامبالاة" عن عاملة نظافة تعمل فى متحف الفنون وتريد إنتاج الفن بنفسها. وهذا العام وضعت كتابا أشبه بمقالة بطول كتاب تقرأ فيه الأدب، الروايات، وتشاهد السينما، وتطيل النظر فى الوحات. لكنها لم تضع هذا الكتاب عما ترويه تلك الأشياء من قصص، بل من أجل المشاهد التى تصورها.
وكتاب "حصان في الليل" عبارة عن سلسلة من الصور تتحرك سريعا، تجمعها معا لتخلق بها تجربة عميقة مراوغة للقارئ. وكتبت تقول: "اللغة ليست دائما السلاح الذى أسله أولا". وأيضا كتبت: "غالبا ما أبدأ بالإعداد، التأطير قبل الحبكة وقبل الحوار وقبل كل شيء آخر". وفى مرحلة الإعداد هذه تنتقل الصور لديها من المحيط، لساعات الليل، للشتاء المتجمد وصولاً للعالم الطبيعى. وهنا يختفى الرواة، وتختفى خلفيات القصص، حتى الأفلام واللوحات لديها صُنعت لتتلاشى، حتى لا يتبقى سوى القارئ بمفرده مع تلك الرؤى.
إن أفضل كلمة وردت فى هذا الكتاب، والكلمة الوحيدة القادرة على وصف ما تحاول أمينة كاين استدعاءه للقارئ هي "إحساس الصورة" وهى كلمة مقتبسة من أحد كتب "رينيه جلادمان*" الكتاب يحمل الاسم نفسه، لكن كاين عجزت عن تذكر ما كان يدور حوله الكتاب.
المشهد الافتتاحي من الكتاب بين أيدينا مأخوذ من كتاب "راشيل كوسك"* بعنوان "أرلينجتون بارك"، حيث كان المطر ينهمر على إحدى ضواحى مدينة لندن، وهذا الوصف استدعى خمس صفحات.
ذاك البحر فى جنوب إسبانيا من كتاب "حليب ساخن، للمؤلفة ديبورا ليفى*" حيث يلسع الراوي صوفيا بقنديل البحر.
أيضا هذا الظلام الحميمي فى قصة بورخيس القصيرة "حوار عن الحوار" حيث تجلس الشخصيتان تتحدثان فى غرفة، متناسين إشعال المصباح.
تطلب "أمينة كاين" منا نحن القراء ألا نقرأ الروايات فقط، بل نشاهدها بينما تتفتح وتُفرد على الصفحات.
إن التفكير العلني في سلسلة المشاهد التى كتبتها كوسك، ومارجريت دوراس، وإيلينا فيرانتى، وجان جينيه، جعل كاين تستكشف من خلالها العديد من الحيوات التى عاشتها بشكل خاص كقارئة، فالقراءة بالنسبة لها فعلاً حسي.
ونحن كقراء على خطاها، نقرأ كما تقرأ سواء فى عزلة أو مسترخية، لو كانت تقرأ لغرض خاص أو توقا للعيش بمكان آخر. لقد فقدت أصدقاء بسبب قراءتها لفيراني، وهى قلقة من تحويل الإنترنت لبعض الروائين وجعلهم مجرد جماعات. فى النهاية الهدف هنا خلق شعور رومانسي آخر متعلق بالقراءة: تجربة إيجابية مجردة من العديد من تفاصيل الحبكة أو الهوية الشخصية أو الصراع.
لكن فى النهاية فإن قراءة "حصان فى الليل" ستكون خفيفة هادئة ستجعل القارئ يغط فى النوم. وقد تبيّن أن العناصر الروائية التى يمكن لكاين تجنبها كالتفاصيل والشخصنة والصراع، هى الأشياء التى تجعل مثل هذه المشاهد الأيقونية، فى الروايات والأفلام، تدوم فى أذهاننا للأبد.
الكتاب على أفضل الأحوال يُمثّل دفتر ل "كاين" تحاول من خلاله معرفة الطريقة التى ستكتب بها روايتها التالية. فقرائتها دليل على أن الفن العظيم يغيّر الإنسان بشكل نهائي: فهى فى كل فصل بالكتاب تكون نسخة مختلفة من نفسها.
وقد كتبت: "على الإنسان أن يكون كرالف والد وإمرسون، شفافاً كمقلة العين" وكتبت "أن يستوعب كل شيء حوله".
غالبا ماتبدأ كاين جُملها ب: "أريد، أو أريد أن أكتب مثل آن كارسون. أريد أن أكتب عن الوحدة. أريد أن أكون جديرة بالتصديق. المتعة والحرية والعذاب والفراغ: هذا ما أريد أن تُعبّر عنه كتاباتى".
كل كتاب تقرأه "أمينة كاين" تتأثر به لدرجة أنها تكتب عنه فى كتابها استجابة لما قرأته سابقا. وفى هذا الصدد كتبت: "بدأت أعتقد أنه وجب عليا تأليف رواية عن المعاناة لآن الكثيرين يعانون"
فى الصفحة التالية تقول: "سأكتب عن الأشياء التى تجعلنى أشعر بالخجل فى حياتى مثل التقدم بالعمر". لكن الشيء الوحيد الذى سيظل ثابتا فى هذا الكتاب هو الرغبة الشديدة فى الفوز بخيال أعمق"لنذهب أبعد"على حد قولها. فأمينة كاين، كاتبة لا تزال تتخذ قرارها.
هوامش:
- أمينة كاين، كاتبة أمريكية اشتهرت بروايتها "اللامبالاة، 2020".
- رينيه جلادمان، شاعرة وروائية أمريكية وهى مؤلفة لكتاب"احساس الصورة" تتسائل فيه عن المُتخيل والحقيقى فى عصرنا الجديد.
- راشيل كوسك، هى روائية بريطانية، وتحكي فى روايتها"أرلنجتون بارك" عن إحدى الضواحى البريطانية ومثيلتها الأمريكية. الرواية تدور فى يوم ممطر وتحكى عن صور ومشاهد لشخوص تعيش فى هذه الضاحية، خاصة الأمهات الشابات.
- ديبورا ليفى، روائية بريطانية، وروايتها حليب ساخن، وهى رواية كُتبت بأسلوب غنائي عن السيدة روز وابنتها صوفيا ورحلتهما إلى إسبانيا.
- المقال المنشور صدر عن صحيفة الجارديان.
|