القاهرة 03 مايو 2023 الساعة 12:16 م

بقلم: أحمد محمد صلاح
يقول أرنولد هاوزر في كتابه الفن والمجتمع: "لا توجد حدود قاطعة بين النزعة الطبيعية وبين الانطباعية، فمن المستحيل وضع تفرقة تاريخية أو فكرية قاطعة بينهما، ويتمشى التدرج في تغير الأسلوب مع الاتصال في التطور الاقتصادي واستقرار الأوضاع الاجتماعية، تم عام 1871 ولم تكن له إلا أهمية عابرة في فرنسا، إذ أن سيطرة الطبقة المتوسطة العليا ظلت أساسا كما هي دون أن يطرأ عليها تغيير، وحلت محل الامبراطورية المتحررة جمهورية محافظة لم يكن الأمر مستتبا لها إلا لأنها كانت تبدو وكأنها تضمن للمشكلات السياسة أكثر الحلول سلمية، ولكن لم يتم إقامة علاقة ودية معها إلا بعد استئصال مؤيدي الكوميون في باريس".
كانت هذه الحالة السياسية في فترة ظهور الانطباعية في الفن والتي أثرت بشكل غير مباشر على شتى مناحي الحياة الثقافية في أوروبا أنذاك، من فنون معمارية، فن التصوير، وحتى فنون كتابة الروايات وغيرها..
تشكل الانطباعية ظاهرة مـن ظواهر التحول العام الناجم عن تتابع الأحداث وتطور المجتمع الغربي منذ النصف الأول للقرن التاسع عشر، وقد وصفت الحركة الجديدة بأنها (ثورة) وعـدت حدثا من الأحداث المهمة التي قادت الإنسان لأن يعي حركته الزمنية ويحدد مكانه في الزمان ويتلمس هذا الواقع.
وفي كتاب التيارات الفنية المعاصرة يقول مؤلفه: "وبدت الانطباعية في أيامها الأولى وكأنها امتداد للنزعة الطبيعية المتمثلة بمدرسة (باربيزون Barbizon) نسبة إلى المكان المعروف بهذا الاسم في منطقة (السين)، إذ كان يلتقي بعض مصوري المناظر، إلا أنها وقفت موقفا مغايرا من الواقع نفسه ومن التقاليد والنظم المتعارف عليها، واتبعت طريقة جديدة في التصوير مبنية على نمط جديد في الرؤية، كان قد مهد له التطور السريع في المجالات العلمية والتكنولوجية، وما رافقه من تبدل في معايير الذوق الجمالي المتمثل بالسعي نحو التجديد.
في عام 1863 كانت بداية ثورة المدرسة الانطباعية، حين تم رفض 4000 لوحة فنية لمجموعة من الشباب الثائر ضد قيم وتقاليد تلك الفترة، حين أقيم المعرض العام بباريس، وتقدم الشباب بمرسوم إلى نابليون الثالث لإصدار مرسوم يقضي بعرض لوحاتهم في نفس المبني الذي رفض فيه عرض أعمالهم، وسموا معرضهم "صالون المرفوضين"، وكان رد الفعل على تلك اللوحات التي عرضت عارما، وقوبلت اللوحات بالاستنكار، وذلك بسبب الكثير من اللوحات العارية أبرزها لوحة إدوارد مانيه والتي وصفت بانها لوحة فاحشة..
كان اتفاق الفنانين الضمني اعتبار الطبيعة هي مجال عملهم الذي يستمدون منه الموضوعات الفنية، فكانت الطبيعة هي المحور الأساسي الذي يظهر في معظم اللوحات، وهذا ما دفع الفنانين إلى الذهاب للحقول والمروج وضفاف الأنهار لكي يطلقوا العنان لتجربتهم الذاتية، وتقديم إمكاناتهم وطاقاتهم الجديدة، فضلا عن الأسلوب الحديث في استعمال اللمسات السريعة والضربات بالفرشاة لكي يعبروا عن ضوء الشمس بغية الحصول على تأثيرات قوية وأسطح ملئها الأضواء والألوان ذات الملمس الحسي.
سمي الفن الانطباعي وقتها بفن تسجيل اللحظة، وهو ناتج كما أشرنا إلى تجربة حسية، مع انتقاء الجميل منها، باستجابة حواس الفنان أثناء وجوده أمام الطبيعة، وتسجيل اللون والقيم الضوئية بحسب الظروف والمناخ في الهواء الطلق، وكان استخدام التقنيات الحديثة في الرسم وقتها مع الثورة على التقاليد الكلاسيكية الواقعية هو السمة الاساسية للانطباعية، ومع التقدم في علوم الفيزياء والكيمياء والصباغ، هجرت ألوان البني والرمادي والترابي، وأبدلت مكانها ألوان الظلام الملونة المتممة للضوء، يعد من أبرز الرسامين الانطباعيين هـم: إدوارد مانيه، کلود مونيه، أوجست رينوار، كاميل بيسارو، ألفريد سيسلي.
ويمكن القول إن الانطباعية كانت ثورة حقيقية بمعنى الكلمة ضد القوانين والتقاليد المفروضة آنذاك، وانقلابا ضد كل ما يعرقل تحديث الفن وخروجه من الرتابة والجمود، والذي لا يتماشى مع الثورة الصناعية والاختراعات والنظريات العلمية الحديثة، إذ أسهمت وبشكل فعال في بلورة الانطباعية، مما جعلها الحاضنة لكل مدارس الرسم الأوروبي الحديث.
|