القاهرة 30 ابريل 2023 الساعة 11:53 م

بقلم: أمل زيادة
عزيزي عمر خورشيد..
مرت الأيام بسرعة كعادتها، انتهت الإجازة وعادت الحياة لطبيعتها لما قبل شهر رمضان المعظم.. مرت أيام شهر رمضان الجميلة المباركة، ومرت معها أيام عمرنا آمل أن تكون مرت ونحن فائزين برضوان الله ومغفرته..
قضيت أيام عيد الفطر بالمنزل، برفقة الأسرة، قضيت وقتي في أحاديث لا تنقطع، حوارات ثرية، ونقاشات ولا أروع.. أرى أن هذه الحوارات تبدد المسافات بين الآباء والأبناء، تقربنا روحيًا وفكريًا منهم، تجعلنا على إطلاع تام بمخاوفهم وما يشغل أذهانهم من هموم ومشاكل، يحاولون إخفاءها حتى لا يحزنونا.
ابتعت لعبة دومينو، ولعبت معهم، وقد اعتادوا أن أهزم.. لم يزعجني هذا الأمر، كوني أمًا بالطبع، لكن ما أزعجني كوني لاعبة لا ينقصني عنهم شيء! لذا اتبعت معهم طرق خداع عدة، حتى بت أفوز وسط حالة من الذهول التي تنتابهم! لا أخفي عليك أني كنت استغل انشغالهم وأضع أي شيء معتمدة على الخداع البصري، حتى كشفوا أمري! ثم اتبعت حيلة أخرى، بأن أشتت تركيزهم بالحديث في أمور عدة تشغل ذهنهم حتى يتفاجئون بأني فزت، وأني تخلصت من كل أوراقي قبلهم!
هكذا قضيت أيامي معهم طيلة أيام العيد.. ثم شاهدنا التليفزيون.. تابعنا أفلام مارفيل، سبايدرمان وما على شاكلته.. تروقني قصة البطل الأسطوري، وكذلك هم، تجمدنا أمام الشاشة نراقب البطل وهو يحرر مدينته وحبيبته من قبضة الأشرار.
شاهدنا كذلك عدة أفلام متتالية مختلفة تمامًا.. فيلم Fury، وهو فيلم حربي أكشن إنتاج 2014، بطولة الممثل براد بيت، ثم فيلم الممر، وفيلم البؤساء لفيكتور هوجو!
دعني أحدثك عن البؤساء أولاً.
يدور الفيلم في إطار شعري غنائي، يحكي خلاله قصة حياة الثورة الفرنسية الفاشلة ضد الملك لويس فيليب.. أجمل ما في الفيلم ليس أبطاله بقدر الرمزية.. ففيه انهزم الجميع، سحقت الثورة، وتبدد الحلم، وتلوثت يد السلطة بالدماء، ساد الحزن، لكن وسط كل هذه العتمة نجا الحب! انتصر الحب عندما أنقذ والد الفتاة حبيبها من الموت، ليقينه أنه يحب ابنته، وأنها لن تكون في مأمن إلا معه.. انتصر حب الأب لأبنته، وانتصر حب الفتى للفتاة.. وهكذا بقي الحب وسط كل هذا البؤس والدمار.. بقي الأمل وسط اليأس.. بقي النور الذي أضاء القلوب فأطال عمرهم وحماهم من الغدر والخيانة.
تساءلت بيني وبين نفسي هل يحاول الحب شق طريقه وسط ظلام حياتنا، يريد أن يطفوا، أن يأخذ بأيدينا لبر الأمان، ونحن بأنانية وجهل نبعده، نوأده لاعتقاد البعض أن الحب ضعف.. لا أدري؟!
عزيزي عمر خورشيد..
نعود لاستخدام التوقيت الصيفي والشتوي مجددا!
اعتقد أننا نعود بالذاكرة لما قبل 2011 باستعمالنا لهذا التوقيت، الشيء المختلف بنا هو أننا لم نعد نحن، ولا من حولنا أصبحوا نفس الأشخاص، فخلال هذه السنوات تساقط العديد، اختفوا من الصورة وبقيت ذكراهم تنير لنا الطريق، وتضيء لنا عتمة الأيام، وتقودنا للمستقبل.
عزيزي عمر خورشيد..
شاهدت فيلم Fury "الغضب"، الذي تدور أحداثه خلال الحرب العالمية الثانية، لا أخفي عليك تروقني هذه النوعية من الأفلام لما بها من تفاصيل دقيقة، تفاصيل إنسانية لا يلتفت إليها صناع السينما المصرية في العادة! أبرزها دفاع القائد عن إحدى الفتيات الأسيرات، وتعنيف رجاله لأنهم أساؤا إليها! قتله لأحد القادة الألمان لأنه يعدم الفتيان من جيش النازي ويعلق أجسادهم على مداخل المدن حاملين لافتات "أنا خائن لأني هارب من التجنيد أو أرفض التجنيد"! عندما سلم الجنود أنفسهم اكتشف أنهم أطفال! أكبرهم ربما كان عمره 16 عاما! يتورطون في أمر لا دخل لهم فيه! كم عاني من على شاكلتهم حولنا؟! كم عانوا من خطط المستعمر وقراراته الحاسمة بالتفكيك والإبادة؟!
يحكي الفيلم قصة مجموعة من المدرعات والمقاتلين، يقومون بتنفيذ مهام للاستيلاء على نقاط العدو، خمس مدرعات لم يتبقى منها إلا مدرعة واحدة، تحمل اسم الفيلم على مدفعها، استبسلوا في الدفاع عنها حتى آخر رمق.. الجدير بالذكر أن الناجي الوحيد من هذه المعركة، أضعفهم جسمانيا ونفسيا، كونه ليس جنديا من الأساس، فهو كاتب كل مهارته هي سرعته في طباعة الكلمات! نجا ليكتب قصتهم ليتداولها الأجيال بفخر.. الفيلم مقتبس من قصة حقيقة!
تماما كما حدث معنا طيلة حرب الاستنزاف، وحرب 73،
حدثت بها معارك وبطولات فردية، منها ما نعرفه ومنها ما زال مجهولا لكن يعرفه حق المعرفة سوى عدونا الأوحد..
شاهدت أيضا فيلم الممر، بل بالأحرى شاهدناه، تسمرنا أمام الشاشة ونحن نشاهده وكأنه يعرض للمرة الأولى، تماما كأفلام السبعينيات، عندما نراها نكتشف جمالها وقيمتها، كالحجر الكريم كلما قدم كلما ازداد قيمة.. تفاصيل الفيلم دقيقة، تلامس القلوب، تذكرنا بقيمة ما لدينا من نعم، تذكرنا بتضحيات غالية، لولاها ما كنا هنا وما كنت اكتب لك ويقرأ الآخرون ما اكتب!
عزيزي عمر خورشيد..
أشاهد الممر وداخلي يرقص على أنغام رصاصتك التي أعشق، تخيل فيلم حديث بلحنك الملحمي الخالد! قطعا سينتج قطعة فنية لا تقل جودة عن إبداعك الموسيقي الرائع..
عزيزي عمر خورشيد..
كل عام ومصرنا بخير، كل عام ومصرنا هي الحضن، هي الأم التي ترحب بالجميع، طالما كنا أخوة ونقدر قيمة ما يقدم من تضحيات..
كل عام ونحن جميعا بكل خير..
ختاما.. كن بخير لأكتب لك مجددًا.
|