القاهرة 25 ابريل 2023 الساعة 09:19 ص

كتبت: نضال ممدوح
يعد الجمال ووعيه إشكالية تنبعث من اختلاف وتعدد المناهج والرؤى، وهي في بعضها فلسفية وفي بعضها الآخر نقدية، فضلا عن إتباعها مولدات ينتجها الجدل الفلسفي.
وفي كتابها "الوعي الجمالي.. بين فلسفتي العلم والبراجماتية"، والصادر عن دار الرافدين للنشر والتوزيع، تشير مؤلفته الباحثة دكتورة هيلا شهيد، إلى أن: هناك اتحادا وثيقا بين عالم الفكر وعالم الطبيعة، فكل ما يفعله الفن أنه يفصح فعلا عن تعين تمتزج فيه الفكرة بالإرادة، وتتلاقى العاطفة بالخيال. فالفن فكرة واختيار وصنعة وممارسة ينعكس فعلها بوعينا الذي لا يتمثل فيه جوهر المدرك الفني إلا من مشارف الخبرة الجمالية.
لذا يهدف الفن بلوغ فكرة الجمال التي لا تكون علي الدوام مشروطة بالقبول اجتماعيا بل على العكس من ذلك، فقد تكون ضحية ما تتخذه من طابع يتسم إطاره العام بما يطلق عليه الآن الحداثة وما بعدها.
حيث تقول "شهيد": "ويستحضر الفن صوره من بيئته المتحركة العيانية والمفترضة، ولكن بصيغة جديدة تكشف عن جوانب الفكر، وطبقا للغاية التي يرمي إليها، وترتسم الصورة الفنية ارتساما واعيا محسوسا له ثوابته في الشكل والمعنى في الواقع، إلا أنه يناغي رغبته في التحطيم فيتجاوز عناصر الواقع، وينعتق الفن لا ليكون محاكاة لحقائق الأشياء المتعالية التي تتربع في العالم المعقول كما ادعت الفلسفة المثالية، وإنما يعيد تقديم الواقع بفعل الأنماط التي يتبعها، فيستلهم شكلا جديدا يؤثر على دواخلنا بوصفنا متلقين له، ويكون مضمونه قائما على معايير إنسانية مرمزة بالشكل واللون وهي أكثر منطقية في حدود ظروف اجتماعية، وخارج حدودها، ومن دوننا، إذ تكون من الاتساق والتناقض ما يجعلنا لا نشعر بها ونحن نعايش الواقع اليومي.
وهذا يتفق مع ما جاء به "كارل يسبرز" حين قال: "إن المعني الأساسي للفن هو وظيفته الكاشفة فهو يكشف الوجود بإضفاء شكل علي ما ندركه" وطبيعة الرؤية المبثوثة في تداعيات المنجز الفني تختلف عن طبيعة الواقع. وهذا يعني إننا نستمتع بالنتائج بقوة من آثاره التي تختلف عن الحدث كما هو عليه في الطبيعة. وبهذا يتمثل الطابع المعرفي للفن بأنه يخرجنا من دائرة الإدراك المحدود نحو نشاط ذهني يدفعنا إلي وعي جوهر كيانه لإظهار العواطف والانفعال والتقدير لدي المتلقي كما لو كان يطالعنا لأول مرة فيكون من صداه تجربة جمالية من نوع مختلف.
• القيمة الجمالية للأثر الفني
وتشدد دكتورة هيلا شهيد في كتابها "الوعي الجمالي" على أن: القيمة الجمالية للأثر الفني تتأكد بفعل تأثير الفكرة ومضمونها التي ترتقي إلي إمتاع المتلقي بوصفها شرط من شروط المعرفة، بأن تمنح إحساسه مقومات الانتقال من الذاتية إلى الموضوعية وإلى حد كبير من إمكانية التجاوب مع تجربة الفنان الذاتية، لأن ما نبحث عنه في النتاج الفني ليس اختلاجات الفنان، بل ما يثيره من أفكار تشكل نسقا معرفيا يتحقق بمعادلات تشكيلية تحوز بموجبه علي وجودها الواقعي والحسي.
وهذا ما أوعز إلي "هيجل" حين قال: "الفن يجسد الفكرة، وعلى قدر سلامة هذا التجسيد يكتسب العمل الفني جماله". وبذلك أضحى الفن عند "هيجل" حاجة عقلية تتجلي فيه الفكرة المطلقة، وغايته التشكيل الحسي للمطلق ذاته وهو بالنتيجة جمال معبر عن الروح، وهو بهذا يرى بأن الجمال الفني أسمى من الجمال الطبيعي لأنه نتاج الروح ومؤسسات الفكر، ويقول بهذا الصدد: "فما دام الروح أسمى من الطبيعة فإن سموه ينتقل بالضرورة إلى نتاجاته، وبالتالي إلى الفن".. إن الروحي هو وحده الحقيقي. وما يوجد لا يوجد إلا بقدر ما يشكل روحية" ويتفق "كانط" مع هذا الرأي في أن أساس الجمال في الطبيعة موجود خارج ذاتنا..
وميز في معرض مقارنته مع الجميل والجليل، أننا نعقل الطبيعة بشكل ذاتي، دون أن نتمكن من تحقيق هذا الفهم بشكل موضوعي، فالجليل هو كل ما يعلو على العواطف والأحاسيس والانفعالات وكل ما يتجاوز الدائرة الحسية حسب النظرة المثالية.
|