القاهرة 23 ابريل 2023 الساعة 01:28 م

بقلم: أمل زيادة
عزيزي عمر خورشيد..
ودعنا شهر المغفرة.. ودعنا أجمل شهر من شهور العام.. شهر رمضان المعظم.. مر كالحلم كعادة كل أيامنا الرائعة..
ذهبت لصلاة الجمعة اليتيمة، بحثت عن مصلى السيدات لأجد ركنا في آخر المسجد مكتظًا بالنساء، سعدت لحرصهم على الصلاة رغم الطقس السيئ، هذه أول مرة أصلي فيها جماعة بعد جائحة كورونا، جلست بجواري سيدة، تعارفنا بعد انتهاء الصلاة، وأكملنا تعارفنا أثناء مغادرتنا للمسجد، لأكتشف أنها جارتي وتقيم بالعقار المقابل لبنايتنا، اسنفسرت مني عن رؤيتها للرجال يصلون بهذا الاتجاه، أما في مصلانا فقد وضعت المقاعد بالاتجاه المعاكس، فأخبرتها أني لم أنتبه، كنت أبحث عن مدخل للمصلى المخصص لنا لذا لم أنتبه لما لاحظته، قطعًا من صف المقاعد هو خادم المسجد! قررنا اتباع إشارة السجاد كالعادة لنجدهم يضعونها بأكثر من اتجاه! ابتسمت قائلة القبلة محلها القلب.. ولم نجد أحدًا لسؤاله!
لفت نظري وجود عدد كبير جدًا من السبح المختلفة الألوان والأحجام تزين أحد جوانب المصلي، سعدت كثيرًا وأخبرتها أني أبحث عن سبحة كبيرة أعدادها أكبر من المعتاد، وأني أنوى مبادلتها بسبحة أمي المضيئة لتبادل الحسنات، مع وعد أني سأعيد سبحة المسجد الكبيرة في صلاة العيد.. اقتربنا من المكان المخصص للسبحة لنجد سيدة ضخمة تقف بالقرب منا تقول بصوت أجش ماذا تفعلون؟ هل ستأخذوها؟! ابتسمنا بصمت.. فقالت: لا يجوز.. فهذه السبح مخصصة للمسجد!. لم أشأ الدخول معها في جدال، لا أريد إفساد روحانيات اليوم، واحترامًا للمسجد قبل أي شيء..
وقفت صديقتي وهي تحصي عدد حباتها لنكتشف أن حباتها 99، أيضًا المختلف أن حباتها أكبر حجمًا، وأنها أكثر طولًا عن المعتاد، مما توحي بأنها أكبر من المتعارف عليه.. أخبرتها أن سبحة أمي عدد حباتها 99.. ضحكنا، وأوصتني بالاحتفاظ بسبحة أمي للذكرى، وأنها ستحضر لي أخرى مثل التي كانت بين أيدينا.. شكرتها موضحة وجهة نظري، أني كنت أود أن أشارك الثواب مع أمي، ومع صاحب السبحة المجهولة!.
قد يرى البعض أني مخطئة، لكني أراني محقة، فالسِّبح معلقة على الجدار، يكسوهم الغبار، مما يعني أنه لم تطالهم يد أو يستخدمهم أحد، على كل أتمنى أن يتم الترويج لهذه الأشياء في المساجد.. فإن ما داخل بيوت الله ملك لله وحده، وأعتقد أنه يجب ألا يتم أخذ شيء منه إلا بوضع مقابل يماثله.. سبحة مقابل سبحة، مصلية مكان مصلية، ومصحف مكان مصحف..
تبادل للحسنات ليس إلا!!
عزيزي عمر خورشيد..
في مثل هذه الأيام كنت أقيم لدى أمي، لأنها تعلن حالة الطوارئ لاستقبال العيد، بحملة مكثفة لتنظيف المنزل وفرش مفارش جديدة تبتاعها للعيد خصيصًا، تختارها بعناية، وكذلك تشرف على خبز الكعك وبسكويت العيد في البيت.. بعد أن كنا نضعه على صاجات الفرن التي نستأجرها ونذهب جميعًا لخبزها في الفرن، وننتظر بشغف أن تخرج، وتحرص على ألا تختلط بصاجات الآخرين ممن يخبزون مثلنا..
ننتظر بفرحة على روائح المخبوزات التي تتخلل مسام الروح لتذيب الفؤاد وتسعد القلب المكسور وتعيد الإشراق للجسد المنهك.. أختار أكثرهم حُمرة أو تحميصًا، وآكلها وهي ساخنة.. لا أستطيع حملها براحة يدي.. تنظر إليّ أمي بتساؤل وكأنها تنتظر نتيجة امتحان.. لأخبرها أنها ماهرة وأنه لابد أن تفكر في مشاركتنا في مشروع مخبوزات وقطعًا ستكتسح.. تبتهج وتسعد، ثم تبدأ بتجميع ما يخصنا في كراتين وأوان معدنية مفترشة بالورق..
هكذا كنا نختم رمضان بفرحة الخَبيز، ونستقبل العيد بتكبيراته التي تشق ظلام أنفسنا، تدغدغ القلوب معلنة أن اليوم عيد، وأن رمضان فارقنا بالعيد، رغم أن كل يوم من أيامه عيد بحد ذاته!
أتوقف أمام دعاء أمي المعتاد "يارب السنة الجاية تكونوا زايدين"! أنظر حولي وأتساءل.. إحنا نقصنا يا أمي؟!..
أفيق من ذكرياتي متأملة علبة الكعك التي أحضرها أصدقاؤنا.. أنتقى منهم البسكويت والسابليه، أنظر حولي لأجد أن لدي ما يستحق أن أسعد من أجلهم.. لنبدأ معًا في تناول البسكويت مع كوب شاي.. نتناوله بنهم وسعادة..
لأمي تقاليد خاصة بالعيد، تحرص على سلق الترمس وحمص الشام، ثم تغيير مياهه على مدار أيام، وتمليح ما سيتم استخدامه فقط، ثم تضعه أمامها على المنضدة غارقًا بالكمون والشطة والليمون..
اعتقد أن ما يحدث في بيتنا يحدث في كل بيوتنا في هذه المناسبة الجميلة..
عزيزي عمر خورشيد..
من تقاليد أمي الخاصة بالعيد توصيتها لأخي أن يحضر لها رزمة من النقود حديثة الطباعة، لإعطائها كعيدية للأحفاد.
احتفظت أمي لآخر لحظات عمرها بعبق الماضي.. بذكريات تعاملنا معها وكأنها شيء مسلم به، ناسيين أن الحياة وأسلوبها يتغير، وأن مظاهر الاحتفال بالعيد تتغير، وفقًا لاهتمامات الأجيال الجديدة ومتطلبات العصر.. فلم يعد هناك من يخبز في الأفران إلا قلة نادرة أو في أماكن بعينها.. لم يعد الحرص على الاحتفال بالعيد وفقا لذكرياتنا وطفولتنا نحن!
يسهر الجميع يوم الوقفة حتى صلاة العيد ثم يقضون باقي اليوم نومًا.. يستيقظون لأخذ عيدياتهم ليتوجهوا للمولات والسينمات.. أصبح العيد بالنسبة لهم كأي شيء معتاد، وليس مرتبطا بروح وشمس ونهار أول يوم بعد 30 يوم سارت بنظام روحاني محدد!
عيدهم مثل أي عطلة في أي وقت، مثل أي نزهة مع رفاقهم في أي وقت.. عيدهم محدود الفرحة، أما نحن فكانت فرحة عيدنا باتساع الكون..
بكل الأحوال أنوي أن أزرع في أحفادي مظاهر فرحتي، لا فرحتهم، حتى ينضجون ويقررون كيف سيحتفلون بعيدهم.. قد يرى البعض أن الهدف الأسمى هو الشعور بالفرحة.! أتفق معكم بلا نقاش، لكني حقا أهتم بتفاصيل تلك الفرحة!
عزيزي عمر خورشيد..
كل عام وأنت وأنتم جميعا بألف ألف خير، وجعل الله كل أيام مصرنا الحبيبة الغالية أعياد.. عيدكم مبارك.
|