القاهرة 22 ابريل 2023 الساعة 09:54 م

كتب:صلاح صيام
عيد الفطر يأتي بعد شهر رمضان الكريم الذي جمع المسلمين على عبادة واحدة هي الصوم، والعيد مناسبة دينية تجمع فيه الفرحة والمودة بين المسلمين في جميع أنحاء العالم، سواء كانوا يعيشون في دول ذات أغلبية مسلمة أو لا، في أوطانهم أو في بلاد الغربة. يظل العيد فرصة لالتقاط الأنفاس من ثقل الحياة والأيام، والتجمع مع الأحباء وتذكر من غابوا منهم، ويمثل العيد للأطفال ذكريات لا تُنسى، يكبرون ويتحولون إلى أمهات وآباء يحاولون صناعة ذكريات جديدة لأبنائهم كي يمتد حبل البهجة العائلي دونما انقطاع.
يتشارك المسلمون في كل العالم بعض الطقوس والتقاليد الخاصة بالأعياد، مثل التجمع بأعداد كبيرة لأداء صلاة العيد، وتنظيف منازلهم، وارتداء ملابس جديدة، ومنح الأطفال الحلوى أو النقود، وتناول الطعام الاحتفالي مع العائلة، لكن تبقى لكل بلد بعض الطقوس الخاصة به، لتصبغ العيد بصبغة خاصة وطعم مميز لا مثيل له في البلاد الأخرى، وتجعل عيد الفطر عيدا واحدا متعدد الألوان بتعدد الشعوب والقبائل.
ولا تعد مظاهر الاحتفالات بالأعياد، والتقاليد المرتبطة بها، أمرا مستحدثا في تاريخ المسلمين، في العصر العباسي على سبيل المثال لم يقتصر الاحتفال على عيدَي المسلمين الفطر والأضحى، بل شملت مواسم أخرى مثل النيروز وغيره من الأعياد الفارسية القديمة.
وتوسعت مظاهر الاحتفالات وزادت في زمن الخلافة الفاطمية بشكل خاص وشملت أياما أخرى كالمولد النبوي، واحتفالات شهر رمضان، حيث تعود الكثير من تقاليده التي لا تزال حية حتى اليوم إلى عهدهم.
وشاع في دولة العباسيين والفاطميين توزيع الحلوى، وكانت تعرف باسم "الفطرة" نسبة إلى عيد الفطر، بينما قدّم المماليك أطباقا تتوسطها الحلوى والدنانير وعرفت باسم "الجامكية"، وكانت تُقدّم من السلطان إلى الأمراء وكبار رجال الجيش، وهي عادة لا تزال الكثير من العائلات تحافظ عليها، حيث يحرص الأهل على تقديم المال والألعاب والحلوى لأطفالهم، ففي بعض البلاد تسمى بالعيدية، وفي بلاد أخرى يطلق عليها الخُرجية، نسبة إلى "الخُرج" وهو كيس حفظ النقود.
"عيدكم مبارك" أو "عيد سعيد" أو "عواشركم مباركة" هي عبارة التهنئة المتبادلة في عيد الفطر في البلاد الناطقة بالعربية، وهو ما يختلف في دول أخرى، فعلى سبيل المثال يقال في نيجيريا "بالا دا صلاح"، وفي ماليزيا "سلامات هاري رايا".
وبتنوع الألسنة واللغات وتنوع العادات من بلد إلى آخر، تتنوع طرق الاحتفال بالأعياد، وتتنوع أطباقه أيضا، حيث لا يمكن تجاهل الارتباط الوثيق بين الاحتفالات الاجتماعية والدينية وبين الطعام، خاصة في عيد كعيد الفطر الذي يأتي عقب صيام طويل عن الطعام والملذات.
ويرتبط الاحتفال بعيد الفطر في العديد من الدول بتقديم الحلويات، حتى إنه يُطلَق عليه في تركيا "سِكِر بيرم"، أي عيد السكر. ويحرص الأتراك على تكريم المسنين عند معايدتهم وتهنئتهم بعيد الفطر، حيث يُقبّلون يدهم اليمنى ويضعونها على جبينهم ويتنقل الصغار من باب إلى آخر في حيهم متمنين لجيرانهم عيدا سعيدا، ويتلقّون الحلويات وقطع الشيكولاتة.
وفي السعودية، يعتبر تناول التمر مع القهوة العربية المميزة طقسا من طقوس عيد الفطر، بالإضافة إلى أصناف الحلوى مثل المعمول والهريسة وعريكة التمر.
أما في اليمن فـ "بنت الصحن" هي أشهر الحلويات المرتبطة بالأعياد والمناسبات عموما، وهي كعكة مستديرة تعد من رقائق مصنوعة من الدقيق والماء والزبد والبيض مع القليل من السكر وتُحلّى بالعسل.
وفي تونس، لكل ولاية طبقها المميز، أشهر هذه الأطباق هو طبق "الشرمولة"، وهو عجينة من الزبيب والبصل المتبل تُطهى في زيت الزيتون وتؤكل مع الأسماك المملحة، هذا بالإضافة إلى أصناف الحلوى مثل المحكوكة والرخايمية والرفيسة.
بينما يتناول المغاربة أطباقا مثل "كعب الغزال" و"بريوات" و"المعسلات"، ويحرصون على ارتداء الملابس التقليدية مثل "الجلباب بالطربوش" و"الجبادور" مع "البلغة الفاسية".
بينما لا يحلو العيد في مصر دون أطباق الكعك والـ "بيتي فور" و"الغريبة"، وكذلك أطباق الأسماك والأسماك المملحة والمدخنة.
بينما في الهند وباكستان، هناك طبق معكرونة شعيرية حلوة يسمى "شير خورما"، وهو شائع بشكل خاص، وفي روسيا تؤكل "الزلابية التقليدية".
"مودك" أو "العودة للوطن" هي ظاهرة تشهدها إندونيسيا في عيد الفطر، والذي يعرف باسم "ليبران (Lebaran)"، حيث تشهد إندونيسيا أضخم حركة تنقل داخلية في ظل عودة الكثير من الأشخاص إلى عائلاتهم في قراهم الأصلية لقضاء العيد معهم، ويحرصون على ارتداء الملابس الجديدة التي تسمي "الباجو بارو (baju baru)".
ومن الطقوس الشهيرة أيضا في يوجياكارتا إندونيسيا حدث يسمى "Grebeg Syawal"، حيث يقدم السلطان مجموعة من الهدايا تُرَصّ على شكل هرمي ويتسابق المواطنون للحصول على نصيب منها، في تقليد يُعتقَد أنه يجلب البركة. كما يُطلَق مدفع خشبي ضخم على ضفة نهر كابواس في بونتياناك احتفالا بالعيد. وتشمل الأطعمة الشعبية الإندونيسية في العيد طبقا يسمى "كيتوبات"، وهو عبارة عن أرز ملفوف بأوراق جوز الهند ومطبوخ في حليب جوز الهند، بالإضافة إلى طبق لحم حار يسمى "ريندانغ"، وأطباق الحلوى مثل كعكة "ناستار" المصنوعة من عجينة الأناناس والدقيق والسكر وكعك الجبن المسمى كاستاناجيل، ولا يكتمل طعم العيد في إندونيسيا دون كعكة "لابيس ليجيت"، وهي من أشهر الحلويات الوطنية التي يتم إعدادها من عدد كبير من الطبقات وتحتاج إلى مهارة فائقة.
ويُمنَح الأطفال أظرفا ملونة تحتوي على النقود هدية لهم من الأقارب، ويرتدي أغلب الإندونيسيين الملابس التقليدية في يوم العيد، ومثل الكثير من المسلمين في جميع أنحاء العالم يحرص بعضهم أيضا على زيارة قبور أحبائهم الذين غابوا عن فرحة العيد.
ولا يقتصر التراحم والمودة على الأقارب والأهل فقط، في السنغال -على سبيل المثال- يحرص الجيران على تناول لقيمات الطعام في بيت أحدهم، ثم ينتقلون إلى البيت المجاور مصطحبين صاحب الدار معهم لتناول المزيد من اللقيمات، وهكذا بحيث يتذوق الجميع طعام بعضهم بعضا.
وتحتفل الأقليات المسلمة في دول مثل المملكة المتحدة وأستراليا والولايات المتحدة الأميركية والعديد من الدول الأوروبية بحضور التجمع لصلاة العيد في المساجد والمراكز الإسلامية المحلية، وعادة ما يتجمعون مع أصدقائهم ويتجمع المغتربون منهم مع أصدقائهم، وعادة ما يحضرون أطعمة تذكرهم بأوطانهم، ويقضون العيد على الطريقة التقليدية
اللعب والمرح أمر لا يفارق روح العيد، وبينما تحرص العديد من العائلات المسلمة في مختلف أنحاء العالم على زيارة مدن الملاهي، تنفرد دول أخرى بألعاب وتقاليد خاصة. في أفغانستان -على سبيل المثال- يستمتع الصغار والكبار بلعبة تكسير البيض، حيث يقومون بتلوين البيض المسلوق واستخدامه، والهدف هو تكسير بيضة خصمك والعودة بأكبر قدر من البيض.
وفي العديد من الدول تحرص أغلب الأسر على زيارة الأطفال لمدن الملاهي والحدائق وحدائق الحيوان التي عادة ما تشهد ازدحاما كبيرا في مواسم الأعياد، كما يختار البعض استغلال الإجازات للخروج في رحلات إلى الشواطئ.
أما في ماليزيا فالبيوت تتزين بالمصابيح الزيتية التقليدية المعروفة باسم "pelita"، وتقدم الأطباق التقليدية مثل فطائر الأرز وأشهر تقاليد ماليزيا في العيد هي فتح أبواب البيوت للجميع، بغض النظر عن دينهم أو طبقتهم؛ كي يستمتع الجميع بالطعام والصحبة معا.
|