القاهرة 18 ابريل 2023 الساعة 07:24 م

بقلم: علي سرحان
"قلد آبائك اللذين سبقوك.. فالنجاح أساسه المعرفة..انتبه! الكتابة هي التي خلدت كلماتهم.. افتح ثم اقرأ ما كتبوه وقلد ما صنعوه فالخبير من تعلم".
إن تفسير التعبيرات والأساليب والأقوال والهتافات الدراجة التي كانت تجري على طبقات الشعب المصري، يكتسب أهمية فهي تعتبر نوعا من أنواع الأدب المصري القديم ويجب مناقشتها مناقشة تضم الشمول والإحاطة في معالجة كل مظاهر الحياة اليومية للمصري القديم من تاريخ وجغرافيا، هذا بالاضافة الى أغانيهم الدارجة التى تعينهم على مداومة أعمالهم الشاقة وتذليل الصعب منها لنستشف منها أحوال تلك الطبقات وتعاملاتهم في كافة نواحى حياتهم اليومية.
تشكل اللغة الدارجة جزءا من الوعي الثقافي لطوائف العمال والطبقات الكادحة من الشعب المصري آنذاك، وتعد واحدة من أهم المظاهر لهذا الوعي، وأن التمييز بين طبقة المثقفين ليؤسس أساسا على تلك اللغة التى تقوم بدور الاداة او الواسطة لثقافتهم.
تُعد اللغة الدارجة بمثابة الصلة بيننا وبين ثقافة جماعة العمال والطبقات العادية فى تلك الفترة، فهى الحيلة الكلية للتقاليد والعادات والأعراف وطرق الحياة لتلك الطائفة الاجتماعية، فثقافة تلك الجماعات ترتبط ارتباط وثيقا بنمط لغتها لأنها تعكس نشاطات هذه الطائفة، تكمن الغاية من دراسة موضوع اللغة الدارجة في القيم والمعاني التي تقدمها لنا تلك اللغة لأنها تجسد لنا صورة الإنسان المصري البسيط في تلك الأزمنة القديمة، كما ترسم لنا علاقته بالناس القريب منهم والبعيد عنهم فهي تشف عن أفكاره وعقيدته وتعبر عن إمكانياته المادية وقدرته على تشكيلها وتحدد لنا أشغاله وأعماله اليومية.
هؤلاء الناس البسطاء كان من النادر أن نتصل بهم مباشرة لندرة ما خلفوه لنا من آثار عبر آلاف السنين، ولكن هناك شواهد كثيرة غير مباشرة تدل على سلوكياتهم وحياتهم، كما يوجد القليل من تلك الشواهد التي ناقشها علماء الآثار إلا إن كان دراستها مذهلة أطلعتنا على بعض من تلك المظاهر من الحياة اليومية وأهم ممارساتهم لتلك الحياة ببساطتها ومرحها.
سهلت الكتابة على المصري القديم عملية التدوين ونقل القصص والأساطير من مصدرها، فكانت تلك الكتابة الباعث الأول لقيام تلك الحضارة بكل معانيها وتدل على ذلك ملاحظات "خنوم حتب" عن أسماء أسلافه على إيمانهم بسحر الكلمة المكتوبة وتأثيرها، لقد أصبح ما سجل خالدا ما لم يحطمه أحد ولقد كان النص المكتوب على الحجر أبقى من المكتوب على الورق البردي فهو الأخلد والأبقى.
سجلت مناظر مشاهد القبور التي حاول المصري القديم تدوين كل ما يتعلق بالحياة اليومية، وكان يصور صاحب المقبرة وهو يراقب الأعمال الزراعية بنفسه، مثل المناظر المسجلة بمقبرة رخيمرع بطيبة، تصوره وهو يراقب أعمال الزراعة، والذي كان من ضمن ألقابه "المحبوب من نبري" وهو إله الحبوب في مصر القديمة.
أيضا سجلت المناظر المسجلة بمقبرة "باحري" بالكاب مناظر الزراعة ويراقب "باحري" مواسم الحصاد والأنشطة الحقلية والدورة الزراعية حيث كانت حُسن أدارة الاراضي احدي منجزات القدماء العظيمة.
تناولت نصوص الدولة الحديثة بعضا من الحرف والأعمال الترفيهية التي كان المصري القديم يقوم بها كان من أهم تلك الحرف هي الرياضة والمرح، كما حصل الشاب "نخت" والذي يُلقب "قائد جيش الأرضين" كان يقوم ببعض الألعاب الرياضية والصيد أو في صحبة الفتاة "نزمت ابنة جنخسو" التي استولت على قلبه.
وكان الملك أمنحتب الثالث صيادا عظيما حتى أطلق عليه المؤرخون بلقب "الرائع" في مجال الصيد وكان أمنحتب الثالث والدا للملك "توت عنخ أمون" وقد كان يفخر بصيد الأسود.
أما بالنسبة لمجال الحكم والأمثال والأغاني الشعبية فلقد دونت تلك المجالات على أوراق البردي وجدران المقابر والمعابد فكانت بردية متاعب الجندية من عصر الدولة الحديثة إذ يقول أحد جنود جيوش الشمس وقد اضناه الحنين إلى أمه أثناء وجوده في أحد الحروب خارج مصر:
" ترُى كيف حال أمي؟ لقد أوصتني أن أحسن القتال، فلا أقتل رجلاً أعزل وأكون مقداما فربما يكون لي شأن عظيم في الجندية، طالما أني لن أزرع، وقالت لي ما أن تعود حتى أزوجك فتاة حلوة وتنجب الأطفال فقد أصبحت رجلاً" تلك البردية هي نوع من الآدب التهذيبي للجيش المصري الأصيل.
أيضا نجد بردية أخرى وتسمى ببردية الحكيم المصري "إيبور" والتي تؤرخ بعصر الانتقال الأول والتي تصف حال مصر أثناء تلك الفترة المظلمة من تاريخ مصر إذ يقول: "خربت الأشجار وماتت الورقة ما عادت تُثمر وما عادت الأرض تُخرج وانعدمت مصادر العيش خلت القصور من القمح والشعير والطيور والأسماك، لا شيء هنا ولا ثمار ولا عشب ولا شئ سوي الجوع، وها هم أولاد الأمراء ملقون في الشوارع والسجون خربت، والكل هنا عظيم كان أو صعلوك يتمنى الموت، فهل ستنعدم الحياة على الأرض ويتوقف الصخب".
|