القاهرة 13 ابريل 2023 الساعة 03:29

كتبت: سماح ممدوح حسن
يُعرض هذا العام المسلسل التاريخي "رسالة الإمام" محمد بن إدريس الشافعي، وذلك ضمن السباق الدرامي الرمضاني، ويعرض جانبا من حياة مؤسس المذهب الفقهي الإسلامي "الشافعي"، والعمل بطولة الممثل المصري "خالد النبوي" وإخراج المخرج السوري "الليث حجو".
• التناول الدرامي:
بعيدا عن الحِجاج التاريخي، صوابه وخطأه، وبعيدا عن الجدال عما إذا كانت المصادر والمراجع التاريخية المستندة عليها الأحداث التاريخة صحيحة فى رأي البعض وزائفة فى رأي آخرين، فلنتحدث عن المسلسل من الناحية الفنية..
من المتعارف عليه أن المصريين هم صنّاع المسلسل الدرامي الاجتماعي بينما احترف السوريون المسلسل التاريخي، فهم أصحاب الباع الأشهر والأمهر فى هذا النوع من العمل التلفزيوني، بكل عناصره، الديكورات، الملابس، الإضاءة، اختيار أماكن التصوير وإعدادها عموما، واللغة العربية الفصحى كبطلة متفردة فى أعمالهم خصوصا، وربما لهذا تمت الاستعانة بالمخرج السوري الليث حجو. فمن الحلقة الأولى ظهرت جودة عناصر العمل من النواحي كافة.. ملابس الممثلين، أماكن التصوير، إكسوارات العمل كافة.
لكن من أهم ما ظهر فى العمل وهو المفاجئ والمفرح، نطق الممثلين للغة العربية الفصحى كبطلة متفردة فى العمل، والمفرح أكثر أن مَن أشرف على اللغة والتصحيح والتدقيق اللغوي فريق مصري بالكامل، ومنهم الكاتب والمدقق اللغوي "حسام مصطفى إبراهيم، والدكتور أحمد عمار، وحاتم الأطير"، أيضا لم تقل القصة والسيناريو والحوار إحكاما ودقة عن اللغة، وهذه العناصر أيضا كلها صنيعة مصرية خالصة، فالسيناريو والإشراف على الكتابة "محمد هشام عبية"، معالجة الشخصيات "فاطمة ناعوم"، وتصميم الأزياء المبدعة "سامية عبد العزيز"، والموسيقى التصويرية "تامر كروان".
• سجن هارون الرشيد والرحلة إلى مصر:
فى الحلقة الأولى شاهدنا حدثين رئيسين فى حياة "الشافعي"، الأول هو سجنه فى أحد سجون هارون الرشيد، فكما جاء فى كتاب "الشافعي" لمحمد أبو زهرة، والمنشور عام 1948، أن ولي نجران اتهم الإمام الشافعي بمناصرة العلويين على العباسيين، ودس له عند الخليفة هارون الرشيد، فسجنه وأوشك على إعدامه مع آخرين، لكنه نجا بفضل علمه الذى شهد به قاضي المُحاكمة "محمد بن الحسن الشيباني" وفصاحة الشافعي التي عبّر عنها المشهد بكل دقة، ليس فقط فى الحوار المنطوق لكن أيضا بلغة جسد الممثل "خالد النبوي" الذى عرف كيف يغيّر ملامح وجهه لتعبر عما يقول، وفي قيامه وقعوده وحركة يديه وابتسامته.
وبعد المشهد الأول، سجن الشافعي ومحاكمته ثم نجاته وعودته إلى بغداد ثم إلى مكة ثم عودة قصيرة إلى بغداد مرة أخرى، بالتأكيد لم تأت الحلقة الأولى على ذكر كل هذه السنوات واختصرتها حتى جاءت مشاهد رحلة الهجرة إلى مصر.
• "محنة خلق القرآن" والتحول من أختلاف عقائدي فكري ديني إلى تناحر سياسي غيّر معالم الدولة ذاتها
فى الحلقة الثانية سيظهر السبب الثاني لهجرة الإمام إلى مصر، وهو "محنة خلق القرآن" والمشهد بين الشافعي والخليفة المأمون، وتعبيره عن مخالفة رأي المعتزلة في هذا الصدد تماما، بالتأكيد لم تكن "قضية خلق القرآن" هي الدافع الوحيد وراء هذه الهجرة، فمثلا كان الإمام يعرف أن نجمه سيسطع وصيته سيعلو في مصر، وكان يعلم جيدا أي مكانة سيرتقي إليها بين أهل مصر، لكن ربما كان السبب المتصدر تاريخيا هو المحنة، ومن المعروف أن الخليفة المأمون "عبدالله المأمون والذي تولى الخلافة بعد قتل أخيه 198هجرية كان من أشد مناصري الفلاسفة كما كان منحازا للمعتزلة ومذهبهم الفكري والكلامي، فقد كان المتكلمون في هذه الفترة فى أوج نشاطهم وازدهارهم برعاية الخليفة ذاته، والذي كان من أشد المناصرين للعلم بشكل عام.
أما عما يُعرف تاريخيا ب"محنة خلق القرآن" فهي اختصارا أن العرب المسلمين فى تلك الفترة انقسموا حول طبيعة القرآن إلى قسمين. قِسم يقول بأن القرآن قديم أزلي، والقسم الآخر قالوا إن القرآن مخلوق حديث، لأن الأزلي الوحيد هو الله، ولكن المشكلة أنه لم يكن مجرد اختلاف فكري وفلسفي، بل حدث التشابك والتناحر السياسي وبالتأكيد كانت الغلبة للفريق المحمي بالسلطة، المُمثلة في المأمون حينها، وكان المعتزلة هم مَن ناصروا الرأي القائل بخلق القرآن، واعتبروا أن أي رأي مخالف هو تشكيك في وحدانية الله ذاته.
ولما كان الإمام الشافعي من كارهي مذهب المعتزلة ورأيه القائل بأزلية القرآن على عكسهم، ومن ثم يرفض ما يروجون له وهو الرأي الذي أيده الخليفة المأمون ذاته بعدما أقنعوه به، فكان ذلك من أهم أسباب هجرته إلى مصر، وهكذا تحوّلت المسألة الفكرية الدينية إلى نزاع سياسي غيّر فى شكل الدولة نفسها.
ربما يستبين من الحلقة الثالثة، بعد دخول الشافعي مصر وانتقال الأحداث إليها، فقر المصادر أو المراجع التاريخية التى تخبرنا عن أهل مصر حينها من الناحية اللغوية، فهل كان أهل مصر يتحدثون اللغة العربية؟ وهل كانوا يتحدثونها بنفس اللهجة العامية المعاصرة؟ أم أن لغة المصريين كانت مزيجا من المصرية القديمة والقبطية وبعضا من العربية بحكم عيشهم مع عرب الجزيرة حينها؟ وكذا الملابس، هل كان المصريون حينها يرتدون كما ظهر في المشاهد كما يرتدي الناس الآن؟ ربما هي نفس الملابس التى يظهر بها الممثلون في الأعمال التي تعبر عن المناطق الريفية المصرية، أم أنه كما اللغة ارتدوا مزيجا من الملابس المصرية القديمة والرومانية والبطلمية والعربية؟
من المفيد لنا كقراء وباحثين متخصصين وهواة أن نطلع على مثل تلك المعلومات التاريخية التي لم يقف الباحثون عندها كثيرا، لكن إجمالا يُعد المسلسل من أنجح أعمال السباق الرمضاني لعام 2023.
|