القاهرة 04 ابريل 2023 الساعة 11:27 ص

بقلم: د. حسين عبد البصير
يعد الإنجليزي «هيوارد كارتر» من أشهر من عملوا في حقل الآثار المصرية نظرًا للنجاح الهائل الذي حققه بالعثور على مقبرة الفرعون الذهبي الأشهر الملك «توت عنخ آمون» في صبيحة اليوم الرابع من شهر نوفمبر عام 1922م، الذي كان فيه «كارتر» على موعد مع الرمال المصرية لتمنّ عليه وتكشف له عن واحد من أهم أسرارها الدفينة، واستطاع أن يحقق حلم حياته بعد طول عناء وتعب بالكشف عن هذه المقبرة التي تعد أثرًا فريدًا من نوعه أذهل العالم منذ وقت اكتشافه إلى هذه اللحظة، وطغى هذا الاكتشاف على كل الاكتشافات الأثرية الأخرى في العالم أجمع وأصبح بحق أهم اكتشاف أثري في القرن العشرين دون أدنى مبالغة.
انطلقت أسطورة الملك «توت» تغزو أرجاء العالم كله وأصبح الفرعون الشاب الذي لم يجلس على العرش أكثر من تسع سنوات بين عشية وضحاها أشهر ملك في تاريخ الإنسانية وكُتب لاسمه الخلود.
تعد مقبرة الملك «توت عنخ آمون» هي المقبرة الملكية الوحيدة التي وصلت إلى أيدينا كاملة إلى الآن. فبعد وفاة الملك «توت» بمائتي عام تقريبًا، قام عمال الملك «رمسيس السادس» من ملوك الأسرة العشرين، برمي، دون قصد الأحجار والرمال المستخرجة من حفر مقبرته فوق مدخل مقبرة الملك «توت عنخ آمون» بل وشيّدوا أكواخهم فوق هذا الرديم. ولولا هذه المصادفة العجيبة لما نجت مقبرة الفرعون الشاب من أيدي لصوص المقابر في كل زمان ولما وجدها «كارتر» بعد بحث مضن دام خمس سنوات طوال.
قد ألهبت هذه المقتنيات والطريقة التي اكتشفت بها خيال الباحثين والمولعين بالآثار وأساطيرها على السواء، فنسجوا العديد من القصص والحكايات حول حياة الملك ووفاته. ومن هنا نشأت أسطورة الملك «توت».
ونتجت عن الوفاة المفاجئة للورد «هيربرت إيرل كارنافون الخامس» (1923-1866م) - ذلك الأرستقراطي الذي موّل «هيوارد كارتر» للبحث عن مقبرة الفرعون الذهبي- في السادس من مايو 1923م ملدوغًا ببعوضة في القاهرة وصياح كلبه في قصره في إنجلترا لحظة وفاته بعد ستة أشهر من افتتاح المقبرة- هستيريا كبيرة في الصحافة العالمية. فقد ذكرت الصحف أنها «لعنة الملك توت» الذي توعد كل من يقتحم مقبرته بالموت على أجنحة ناعمة. وعلى الرغم من عدم وجود نص في مقبرته أو على أي جزء من أثاثها يحوي هذا النقش، فإن لعنة المومياوات قد تأصلت جذورها في الخيال الشعبي وانتشرت في العديد من الحكايات وسلاسل أفلام الرعب.
ربما شاع هذا الخطأ بوجود لعنة بسبب الترجمة الخاطئة للتعويذة الحامية (الفصل 151 من كتاب الموتى) الذي نُقش على تمثال حامٍ في المقبرة. وبالفعل وُجدت لعنات في عدد من المقابر في مواقع أخرى. وانتشر مثل هذا النوع من اللعنات في مقابر الأشراف، بينما لجأ الملوك إلى وسائل أخرى أكثر طبيعية لحماية مقابرهم من السرقة والاعتداء.
في عام 1932م كان «كارتر» قد أتم عمله القائم على ترميم الآثار المستخرجة من مقبرة «توت عنخ آمون»، ثم أخرج الجزء الثالث والأخير من كتابه عن المقبرة، ثم أخرج ستة مجلدات عن مراحل الكشف. ومات في 2 مارس 1939م في لندن مكللا بالشهرة والمجد والفقر. ثم بيع أثاث منزله في قاعة «سوثبي» للمزادات الإنجليزية الشهيرة في شهر ديسمبر من العام نفسه، بينما بيعت مكتبته بعد ذلك بشهرين في 22 من شهر فبراير من العام 1940م. أي أنه عاش سبع عشرة عامًا بعد اكتشافه المقبرة مما يؤكد عدم إصابته بلعنة «الملك توت». وكان من باب أولى أن يكون هو أول المصابين وضحايا الملك «توت» متأثرًا بما أُطلق عليه في حينها «لعنة المومياوات الفرعونية».
|