القاهرة 04 ابريل 2023 الساعة 11:15 ص

كتبت: ياسمين سعيد
رغم أن المخرج خيري بشارة هو رائد التجديد، إلا إنه مر بفترة من الإحباط وخيبة الأمل بعدما لفظته سوق السينما التجارية في مصر، فشعر حينذاك بالمعاناة والحسرة وهو الذي يحمل بداخله هموم الشباب والمثقفين ويعكسها من خلال أفلامه، حيث تتجلى الفكرة الأساسية لأفلام خيري بشارة في تلك العلاقة الجدلية بين المتغيرات، وذلك كان واضحًا منذ أول أفلامه التسجيلية، ومع مرور الوقت وتعمقه من عمل إلى آخر ومن مرحلة إلى أخرى كانت أفكاره تتعمق والرؤى تصبح أكثر وضوحًا، سواء على مستوى الشكل أو المضمون، وهذه هي سمة الفنان المبدع صاحب الرؤية وليس الفنان الحرفي الذي يهتم فقط بجودة تنفيذ ما يقدم إليه.
إن الفكرة الأساسية التي تتجلى في أفلام المخرج خيري بشارة كما ذكرت سابقا هي العلاقة الجدلية بين التغييرات الكبيرة في مجرى التاريخ والتي أثرت على رؤيته وموقفه للمتغيرات، هذه المتغيرات التي ترصد العلاقة بين الكل والجزء.. الخاص والعام.. بين الواقع وصورته وعنفوانه وبين الفكر البشري والجهد الإنساني لصنع هذا التغيير واستيعابه، وهنا يأتي دور الناقد الواعي الذي يدرك ويكشف عن هذه الرؤية الإبداعية للفنان وليس فقط تقديم رؤية تحليلية انطباعية، بل لا بد من تحليل كل أعمال الفنان حتى نعرف رؤيته ونصل إلى أعماقها.
هذا وقد بدأ المخرج خيري بشارة أول أفلامه التسجيلية من خلال فيلم (طبيب في الأرياف) 1975 وبعدها بدأت رؤيته تتضح لعين النقاد، حيث نرى من خلال أحداث الفيلم ذلك الطبيب الشاب ابن المدينة الذي يواجه واقع شبه استاتيكي (السكون والجمود العقلي) في الأرياف والذي يفزر باستمرار مجموعة من الظواهر الثابتة من الأمراض المتوطنة مثل البلهارسيا وغيرها، فيقرر الطبيب تغيير ذلك الواقع والقضاء على هذه الظواهر المتخلفة بتغيير أساليب حياة الفلاحين ومنعهم من النزول إلى الترعة من خلال تقديم أساليب معيشية حديثة ولكنه لا يرى أمل للتغيير..
أما فيلمه الثاني (صائد الدبابات) والذي يبدو وكأنه احتفالات بانتصارات حرب أكتوبر 73 إلا أنه في الحقيقة تربطه علاقة بفيلمه الأول، وكأنه يخبرنا بأن هؤلاء الفلاحين هم نفسهم من صنعوا النصر وأن هؤلاء العمال البسطاء هم الأبطال الحقيقين وهم نفسهم صناع التقدم والتطور إذا وجدوا أمامهم كل العوامل التي تدفعهم لذلك من أجل غد أفضل.
اتجه بعد ذلك خيري بشارة إلى الأفلام الروائية من خلال فيلم (الأقدار) عام1977 والذي ناقش من خلاله مأساة ضياع دولة فلسطين ومأساة ضياع أسرة من الطبقة البرجوازية.
أما عن فيلمه الروائي الثاني (العوامة 70) والذي تم إنتاجه عام 1982 والذي رصد بشارة من خلاله تغييرات ما بعد حرب 1973 ومرحلة الانفتاح على جيل عانى من جراء هزيمة 67، وهذا الجيل ينتمي له خيري بشارة شخصيًا لذا فأحداث هذا الفيلم تمسه وتمثل جيله خاصة وأن ثمار الحرب ذهبت لأصحاب المال والثروة.
وتدور أحداث فيلم العوامة حول أحمد الشاذلي (أحمد زكي) مخرج أفلام وثائقية ويقوم بإخراج فيلم جديد عن أحد محالج القطن، وفي هذه الأثناء يخبره أحد العمال (أحمد بدير) عن الفساد الذي يحدث في المحلج فيتم قتل العامل، فيقرر المخرج أحمد الشاذلي وخطيبته البحث عن الفاسد الحقيقي والمتسبب في إهدار المال العام في محلج القطن.
رحلة يكتشف فيها أحمد الشاذلي ذاته ويعرف أزمة جيل السبعينات الذي ينتمي إليه، فالبطل هنا في العوامة 70 هو الصورة الحقيقية للمخرج خيري بشارة نفسه الذي اكتشف ذاته وعرف أن الفن ممكن أن يكون سلاحًا ثوريًا لتغيير الواقع.
|