القاهرة 21 مارس 2023 الساعة 02:20 م
بقلم: عيد عبد الحليم
تزخر القارة الأفريقية بوجود عدد كبير من الأدباء الذين حققوا شهرة عالمية، واقتربوا من منصات التتويج في كثير من الجوائز الدولية، مثل جائزة نوبل التي حصل عليها المصري نجيب محفوظ وول سونيكا من نيجيريا، ونادين جورديمر، وج.م كويتزي من جنوب إفريقيا، وهناك عدد آخر ظل على قوائم ترشيح الجائزة الكبرى لسنوات طويلة مثل الروائي الصومالي نور الدين فارح والروائي النيجيري "بن أوكري"، والأديب الكيني "نجوجي واثيونج" الذي يعد من المنظرين لأدب ما بعد الاستعمار، ومن الكتاب الأفرو- أمريكيين، وينشر مؤلفاته باللغة المحلية الكينية، وكذلك باللغة الإنجليزية.
برغم المعاناة التي عاشتها القارة كثيرا بسبب الاستعمار الطويل، وبسبب قضايا التفرقة العنصرية فإن أدباء القارة استطاعوا أن يكونوا صوت بيئاتهم المحلية، وعبروا بشكل كبير عن الواقع المرير الذي يعيشه مواطنواها، وكذلك استطاعوا من خلال رواياتهم وقصصهم وأشعارهم أن يرسموا نقاطا مضيئة للمستقبل، وقد استفاد هؤلاء الأدباء من اللغات المحلية، وكذلك من اللغات الوافدة وهي الإنجليزية والفرنسية والبرتغالية، ما جعل كثيرا من كتاباتهم تخترق الحدود الجغرافية لتصل إلى آفاق عالمية أكثر رحابة.
ويتميز الأدب الأفريقي بعدة سمات:
أولها: انحيازه للبيئة المحلية، فنجد المفردات اليومية داخل النصوص القصصية والروائية والشعرية أيضا، حيث الأحراش والغابات والصحاري الممتدة.
ثانيا: الانحياز إلى قضايا إنسانية بالغة الدقة، ومنها قضايا المواطنة، والتفرقة العنصرية، ويظهر ذلك في كتابات عدد من أدباء القارة أمثال وول سونيكا، ونادين جورديمر.
كانت جورديمر قد بدأت نشر إنتاجها من القصة والرواية بدءا من نهاية الأربعينيات، مركزة في أعمالها على قضية التفرقة العنصرية في جنوب إفريقيا.
ولعل خاطرا خياليا كان يراودها عندئذ، وهذا هو جوهر الإبداع، وتمثل هذا الخاطر في سؤال: ماذا لو انقلبت الحال وانعكست الأوضاع لسبب ما؟ وكأنها كانت تستقريء المستقبل، فإذا بسكان البلاد الذين يمثلون الأكثرية، هم المسيطرون حتى يضطر البيض "الأقلية" إلى اللجوء إلى حمايتهم، ولم تتردد "نادين جورديمر" كثيرا بل راحت تجري بحثا روائيا لوضع ذلك الخاطر موضع التنفيذ، متخيلة اندلاع ثورة السود في جنوب إفريقيا، التي تمت بعد ذلك، وسجلت ذلك في روايتها "قوم جولاي" التي نشرتها عام 1981م، تجري أحداث الرواية في الأحراش على بعد ستمائة كيلو متر من جوهانسبرج، حيث تعيش أسرة الخادم "جولاي" وسط قومه،"جورديمر"، لتبرز بشكل طبيعي التقابل بين مجتمعين: مجتمع مدني متطور، ومجتمع ريفي متخلف، مجتمع يعيش أثرياؤه البيض في بيوت واسعة مكيفة الهواء، ومجتمع بدائي يزدحم أفراد عائلاته من السود في أكواخ مفتوحة على مناخ سيء من حرارة ومطر، مجتمع ينعم أفراده بمن يخدمهم مقابل أجر زهيد، ومجتمع ينهض كل أفراده بعمل يدوي شاق حتى يكفلوا متطلبات معيشتهم، مجتمع يسرف أفراده في شروط النظافة فيسرفون في استهلاك الماء، كما كل المجتمعات الغربية، ومجتمع لا يجد الماء الضروري للشرب.
وفي روايتها "ابنة بيرجر" التي تناولها بالتحليل د. محمد السيد إسماعيل في كتابه "أساليب السرد في الرواية الأفريقية" والصادر عن المجلس الأعلى للثقافة، تقوم البنية الروائية فيها على فكرة الصراع الدرامي، سواء عبر الثنائية المتضادة، على مستوى الشخصيات وعلى مستوى الأمكنة والأزمنة.
وإن اتخذت الفكرة السياسية حيزا كبيرا في الرواية، فقضية الرواية الرئيسية هي محاربة نظام "الأبارتهايد"- وهذا ما يميز كتابات "نادين جورديمر" عموما فهي -على حد تعبير محمد السيد إسماعيل": كاتبة تعيش داخل آتون النار منذ بدأت علاقتها بالإبداع حتى الآن، سنوات طويلة تصدت فيها بقلمها لكل ما يدور في جنوب أفريقيا من قوانين تعسف عنصري، فهناك نظام الأبارتهايد حيث يعيش الأبيض في أماكن بعيدة تماما عن الزنوج، وهو نظام غير موجود إلا في جنوب أفريقيا".
وتلعب الرواية على فكرة التنامي والتصاعد الدرامي عبر تحولات الشخصية الرئيسية "روزا" من خلال استخدام "جورديمر" للبنية الدائرية في الرواية. التي تبدأ حياتها في جنوب أفريقيا ثم تنتقل بعد كمعاناة شديدة إلى فرنسا، ثم تعود بعد رحلة حياتية ونفسية قاسية أيضا إلى مكانها الأول في "جوهانسبرج".
وقد أجاد محمد السيد إسماعيل في تحليل الرواية مع بيان "أسلوب البنية الدرامية"، مبينا تمايزها عبر التشكيل الجمالي، وليس فقط انحيازها لشكل الرواية السياسية.
ولأن الرواية الأفريقية جاءت في أحد تجلياتها، خطابا موازيا ومضادا في نفس الوقت للخطاب الاستعماري الذي سيطر على القارة لسنوات طويلة، والقائم على الفكرة العنصرية، وعلى فرض السيطرة، لذلك يرى د. محمد السيد إسماعيل في كتابه أن بعض الروايات الأفريقية قامت على "أسلوب البنية الحجاجية" متخذا من رواية "أشياء تتداعى" لتشنوا أتشيبي نموذخا تحليليا، والتي كتبها معارضة لروايةقلب الظلام" لجوزيف كونراد، فقد ذكر "أتشيبي" أنه كتب روايته ردا عليها.
كما أنه استقى عنوان روايته من مقطع شعري من قصيدة للشاعر الأيرلندي"وليم بتلر يتس" يقول فيه:
"يدور الصقر في دوامات رحبة ويدور/ لا يسمع نداء صاحبه/ أشياء تتداعى/ المركز يفقد السيطرة/ فوضى عارمة تجتاح أنحاء العالم".
ويرى محمد السيد إسماعيل أن "أتشيبي" يحقق في اقتباسه هذا سمة مميزة للكتاب الأفارقة المعاصرين، وهي "التعامل مع التراث الغربي" بنظرة إنسانية بعيدة عن النظرة العنصرية.
كما يعزز فكرة "حجاجية الرواية" حيث أن خطابها موجه للغرب، فالراوي لا يقدم شخصية بعينها في الرواية بل يقدم مجتمعا بأكمله بمعتقداته وموروثه الشعبي وتطلعاته المستقبلية أيضا.
|