القاهرة 14 مارس 2023 الساعة 07:52 م

كتب: عبده الزرّاع
جائزة المبدع الصغير، هى إحدى جوائز الدولة، التي تمنح كل عام في مجالات: (القصة/ الشعر/ المسرح/ الفنون/ الابتكارات العلمية) وباعتباري أحد محكمي هذه الجائزة في المسرح، فقد ورد إلى اللجنة عدد كبير من النصوص المسرحية في الفئتين (الأولى والثانية)، وكانت الملاحظة الأبرز حينما شرعنا –كلجنة- في قراءة النصوص أن هناك يدا كبيرة تدخلت في صياغة بعض هذه النصوص، وأحيانا تأليفها وكتابتها، فبحكم الخبرة في التحكيم، لاحظنا أن معظم المفردات التي استخدمت في النصوص أكبر من قاموس الطفل، كما وجدنا نصوصا مسرحية لابد أن كاتبها محترف يجيد صياغة المسرحية، وصنع حبكة محكمة، واقامة حوار قصير وصحيح لغويا، ويدفع الدراما إلى الأمام.
ولكننا استطعنا قدر المستطاع أن نتحرى في الاختيار، أن يكون النص من تأليف الطفل نفسه، وقد وجدنا عددا لا بأس به من النصوص المتميزة، تم تصعيدها إلى اللجنة العليا والتى قامت بمقابلة الأطفال المصعدة نصوصهم لاختبارهم فيها، ومن خلال المقابلات تم اختيار الفائزين في المسابقة.
ومن ضمن النصوص الفائزة في المسابقة في الفئة الثانية، مسرحية (أنا إنت.. وإنت أنا) لفريدة أحمد عبد العزيز من الإسكندرية، ورسوم الفنان الصغير مبروك حسين ناصر، من القاهرة.. وقد صدرت المسرحية في كتاب صدر عن المركز القومي للثقافة..
ومن خلال قراءتي لهذا النص اتضح منذ البداية موهبة فريدة المبكرة، ففي ظني أنه سوف يكون لها مستقبلا باهرا في الكتابة المسرحية بعد ذلك.
بداية من وضع (الفكرة) أرى أنها فكرة جيدة، وهي مبنية على التفرقة بين "الولد" و"البت" في المعاملة، حيث تفضل بعض الأسر الولد عن البنت في كل مناحي الحياة، وتشعر البنت أنها "كمالة عدد" باعتبار أن الولد هو "رجل البيت" وهذا – للأسف الشد- موروث خاطئ.
ولأنه لا فرق بين "الولد" و"البنت"، خاصة في هذا العصر، حيث إن المرأة تبوأت أعلى وأهم المناصب القيادية، فأصبحت "قاضية" و"وزيرة" وغيرهما من المناصب العليا في الدولة. التي كانت مقصورة على الرجال فقط، بل إن بعض النساء تفوقن على الرجال في مجال العلم، مثل: عالمة الذرة المصرية "سميرة موسى" وغيرها الكثير.
هذا ما أرادت أن تقوله المسرحية باختصار "أن البنت لم تخلق فقط "لأعمال المنزل، والمطبخ، والنظافة، بل هى إنسانة تشعر وتحس وتتعب ولديها طموح، ورغبات مثل الولد تماما" بل ربما أكثر بكثير من الولد.
استطاعت "فريدة" مؤلفة المسرحية أن تصنع "حبكة جيدة" من خلال المشاهد الأربعة القصيرة.. لنصل في النهاية إلى "مرام" أو هدف المسرحية.
لعبت الأم دورا سلبيا داخل المسرحية، لأنها دائما ما كانت تنتصر للولد الذي كان يتعامل مع إخته طوال الوقت على أنها "كمالة عدد" فيأمرها بأن تضع له الطعام، وكانت تؤيده أمه بفهمها الخاطئ على التمادى في هذا السلوك الغير سوى.
ولكن بطلة المسرحية "مريم" قاومت هذا السلوك بالرفض دائما، فموقفها هو الموقف "المستنير" داخل المسرحية، إذ رفضت سلوك أخيها "خالد" تجاهها، ولكنها لم تجد من ينتصر لها فشعرت بالحزن والغبن والظلم من أخيها وأمها، لأنها كانت تطالب أخيها بأن ينظف حجرته بنفسه، وأن يجهز أيضا فطوره، فكان يرفض الانصياع لارادتها..
ففي المشهد الثاني.. يتحول مسار المسرحية، حينما تنام مريم، ويأتى لها مجموعة من الساحرات في الحلم، ويدور حوار بينهم وبين "مريم"..
الساحرة: قومي يا مريم ما تخافيش
مريم: إنتى مين؟.. وأنا فين؟
الساحرة: إنتى في عالم الأحلام
مريم: عالم الأحلام..؟!
الساحرة: في عالم الأحلام اللى بتتمنيه تلاقيه
مريم: كل اللى أتمناه.. ؟!
الساحرة: أيوه يا مريم .. إحلمي وأنا أحقق لك حلمك
مريم: أى حلم..؟
الساحرة: قولي نفسك في إيه
مريم: بأحلم أكون حد تاني..
الساحرة: وضحى أكتر..
مريم: أنا عايزة أكون ولد من جوه .. وبنت من بره
الساحرة: أيوه.. فهمت
مريم: صحيح.. ؟
الساحرة: عايزه تبقي بدل مين؟
مريم: بدل أخويا "خالد"
الساحرة: اشمعنى أخوكي؟
مريم: علشان يدوق المر اللى أنا بدوقه
الساحرة: عايزة تبقى مكانه لمدة قد إيه؟
مريم: يومين
الساحرة: متأكدة.. !
مريم: لا.؟. لا استنى خمسة أيام.. ولا أقولك خليها أسبوع
الساحرة: آخر كلام.. ؟
مريم: أيوه
الساحرة: طيب خودى اشربي ده (مشروب)
مريم: المفروض إنه يحولنى..
الساحرة: أيوه
(مريم تشرب المشروب)
الساحرة: قدامك.. سبع أيام.. اعملى كل اللى انتى عايزاه
(وتصحى مريم من النوم تبحث عن الساحرة)
مريم: انتى فين يا ساحرة.. هو أنا كنت بأحلم.. ولا ده حصل؟
هذا المشهد هو نقطة التحول في المسرحية وتبادل الأدوار.. أرادت "مريم" بطلة المسرحية أن يحل أخوها "خالد" محلها، كي يشعر بالظلم والغبن الواقعين عليها.. فهو الآن يمتلك احساس الأنثي، و"مريم" تمتلك إحساس الذكر عن طريق المشروب السحرى.
وبالفعل يتحول "خالد" الذي اكتشف هو الآخر أنه حلم نفس الحلم.. وأنه شرب من نفس المشروب.. فبدأ يستجيب لرغبات أخته، وشاركها في أعمال البيت، وبدأ ينظف حجرته، ويعد طعام الفطور لنفسه.
ومن ثم تستغرب الأم "الجاهلة " من تصرفات "خالد" بأنه أصبح يقوم بأعمال البيت دونما اعتراض منه..
فيدور هذا الحوار:
خالد: حلمت حلم زى بتاعك.. بس أنا اللى اتمنيت
مريم: اتمنيتى ايه؟
خالد: إني أكون مكانك
مريم: يعني انتى السبب
خالد: آه .. وأنا مالى
مريم: ما هو انتى اللى نمتى.. وانتى اللى حلمتى.. وانت اللى اتمنيتى.. !!
طيب قوليلى ليه عملتى كده
خالد: علشان تدوقي المر اللى أنا بدوقه..
هنا تتلبس روح "مريم" جسد "خالد"، وروح "خالد" تتلبس جسد "مريم".. ومن ثم أصبحت هذه هى عقدة المسرحية ولابد لها من حل.. ويتفجر هنا الصراع ويتصاعد ليصل إلى الذروة.. ثم الحل أو "لحظة التنوير".
وبعد نهاية الأسبوع "المهلة التي منحتها الساحرة لمريم" تعود الأمور الى طبيعتها، وتأتى مجموعة الساحرات لـ"خالد" في نومه وتتفق معه أن ترجعه إلى أصله "ولد" مرة أخرى، بشرط أن يعامل أخته معاملة حسنة، فتقول له:
"تعامل أختك كويس.. وتعمل حاجاتك بنفسك.. وتقسموا شغل البيت بينكم"
فيوافق "خالد" ويشرب المشروب ويعود مرة أخرى إلى مشاعر الولد "الذكر"..
ومن ثم يتبدل حال "خالد" إلى الأفضل فيعاون أخته "مريم" في أعمال البيت وترتيب حجرته بنفسه.
وقد نجحت المؤلفة في حل العقدة بذكاء لتؤكد على هدف المسرحية في النهاية: "أنه لا فرق بين الولد والبنت.. سوى في العلم والثقافة والوعي".
نجحت "فريدة" المؤلفة في صياغة حوار قصير ويدفع الدراما إلى الأمام، وباعتبار أن خبرتها فى الكتابة لازالت بسيطة فجاء الصراع بسيطا، والعقدة أيضا بسيطة تتفق ومرحلتها العمرية، بل تجعلها بالفعل متميزة.
لذا أتوقع لفريدة مسقبل باهر في الكتابة المسرحية شريطة الاستمرار في الكتابة والقراءة في هذا المجال، وحضور العروض المسرحية حتى تكتسب خبرات جديدة.
|