القاهرة 14 مارس 2023 الساعة 12:47 م
تحقيق: نضال ممدوح
هل من حق الناشر أن يتدخل في بالحذف أو الإضافة في عمل المبدع/ الكاتب الأصلي دون الرجوع إليه والاتفاق معه علي هذه الإجراءات؟ وهل يحق للناشر أن يلعب دور الرقيب، فيحذف من المنتج الأدبي دون الرجوع إلى صاحب العمل وهو ما تعرض له مؤخرا المترجم الكبير سمير جريس، عندما حذف ناشر ترجمته لرواية "فهرس بعض الخسارات" حوالي 640 كلمة دون الاتفاق المسبق مع "جريس" بدعوى أن المخذوف لا يلائم الثقافة العربية.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ففي الترجمة الحديثة التي طرحتها دار النشر الأكثر شهرة في بريطانيا ــ دار بنجوين ــ لأعمال كاتب الأطفال روالد دال، وقامت بحذف بعض الألفاظ والمفردات الأصلية كما قدمها الكاتب واستبدالها بكلمات ومفردات أخرى بدعاوي أن المفردات الأصلية لا تناسب ثقافة أطفال القرن الواحد والعشرين.
وفي نفس السياق، أعلن ناشر روايات جيمس بوند للكاتب البريطاني إيان فليمنج، عزمه على إصدار نسخ منقحة تزيل النغمات العنصرية والجنسية من لغة الكاتب في روايات جيمس بوند.
وحول هذه القضية “مصر المحروسة” توجهت بهذه الأسئلة لعدد من الكتاب والمبدعين.
بداية قال الروائي "علاء عبد العزيز": ليس من حق الناشر الاقتراب من العمل الابداعي للكاتب ولا المساس بأي جملة أو كلمة أو حرف فيه مالم يرجع الي الكاتب نفسه في هذا الصدد، فإذا سمح الكاتب أثناء مراجعة العمل بالتغيير فلابد للمراجع أن ينفذ وجهة نظر الكاتب السابقة أو المستحدثة بعد عرض تلكم الكلمات أوالجمل عليه، والتي يراها الناشر معيبة أو تمس الذوق العام.
وأي كاتب لديه الحق كاملا في طرح الموضوع الذي يبتغي عرضه علي جمهوره أو الجمهور العام كما أن له الحق في اختيار كلماته، وليس للناشر الحق في رفع كلمة من العمل أواستبدالها بأخرى إلا بإذن من الكاتب، فإن اعترض الكاتب فلابد للناشر أن يحترم اعتراضه وعرضه بكسر العين، وعِرض الكاتب هو كلامه والكلام يخضع لتقيم القارئ فإذا أراد الكاتب التطرق إلى الإسفاف والكلمات غير المناسبة للزمان والمكان فقد حكم علي نفسه بمزيد من التهكم من لدن القارئ المحترف وغير المحترف.
أحيانا يصيب الكاتب سهوا في بعض مواقع السرد وخاصه السر د الطويل "الرواية" فيكتب بعض كلمات أوجمل خلال السرد لم يلق لها بالا أثناء خلق العمل، فيلفت المراجع نظره لأن كثيرا من الكتاب الكبار لايرجعون إلى العمل بعد الانتهاء منه والدفع به الي الناشر، حينها يكون الناشر علي حق في طرح التغيير المنشود. أما ان يحذف الناشر بعض الكلمات ويعدل بعض الجمل من تلقاء نفسه نتيجه ثقافته الضحلة وخضوعه لمتطلبات السوق أو الخوف من بعض القراء المتزمتين وقصيري الرؤية في مجالات عدة فهذا مرفوض كل الرفض، لأن هذا ممكن أن يصيب الموضوع بالعطب في بعض مواقع السرد فتصبح كلمات الكاتب خالية من المعني الذي يرجوه أو طريق السرد الذي يحذوه، وفي النهايه كل مايكتبه الكاتب ملكا له ليس لأحد مشاركته ملكيته في الكلمات وقيمة العمل، من الجائز أن يشارك الناشر الكاتب المال ولكنه لايمكن أن يشاركه الابداع.
وبدوره قال الناقد دكتور "سيد ضيف الله": أؤمن بأنه ليس من حق أي ناشر أن يغير حرفا مما كتبه كاتب دون موافقته. و إعادة نشر أعمال كتاب راحلين أكثر حرمة على الناشر من الكتاب الأحياء. وكل الحجج التي يقدمها البعض لتبرير التدخل بالحذف أو الإضافة أو التعديل هي حجج واهية ومغالطات بل هي أباطيل.
أما في مجال الترجمة، فأقصى ما يحق للمترجم الأمين أن يعلق في الهامش لتوضيح الاختلافات الثقافية بين المشار إليه في النص الأصلي والثقافة المترجم إليها هذا النص، أو توضيح وجهة نظره الشخصية فيما يقدم من آراء من خلال مقدمته للكتاب كمترجم أو مراجع.
الحديث عن تزمت مجتمعي كمبرر لتعديل نصوص كتاب راحلين أو نصوص أصلية أجنبية أراه نوعا من الإهانة للمجتمع المصري، لأن القاريء المستهدف بهذه الأعمال لديه الحد المعقول من بديهيات التعامل النقدي مع الأدب، وإذا لم يكن البعض ليس لديه هذا الحد الأدنى من الثقافة الأدبية والنقدية فالرضوخ لعدم معرفته وجهله بطبيعة الأدب تسييد للجهل على العلم وتدليس مجتمعي ونفاق ثقافي ، وليس هكذا يتم الإصلاح الثقافي في مجتمع يفخر بأن ثروته الكبرى تكمن في قوته الناعمة وتاريخه الحضاري والثقافي وريادته الثقافية للمنطقة العرببة.
أطالب باتخاذ اللازم برلمانيا لوقف تعدي أي ناشر على حرمة الكتاب الراحلين المتمثلة في صون نصوصهم من العبث.
ومن جانبه قال الكاتب "سيد الوكيل": حتى حرية التعبير لها حدود. وهي رهن بمستويات الثقافة لكل مجتمع. وكذلك معتقداته الدينية. وهي ظواهر موجودة في مجتمعات كثيرة على مستوي العالم. مع اختلاف معتقداتها. وكثيرا ما تتسبب في صراعات وحروب اهلية. وفي رأيي الشخصي ان الاستقرار الجتماعي والتوافق المجتمعي أهم من الاراء الفردية.
صحيح أن الفن يكره التقيد ويطمح إلى مساحات من التعبير رحبة ومؤثرة في الواقع. و الحل يكمن في الحيل الفنية التي تسمح للكاتب أن يقول مايشاء عبرها. فالرمز واتساع الفضاء الدلالي فضلا عن طرائق وأساليب أخرى يمكنها أن تحقق هذا الغرض، ويبقي الفن في صورته أكثر عمقا وتأثيرا بعيدا عن المباشرة.
في السنوات الأخيرة وبسبب التوسع في إمكانات التكنولوجيا. أصيب البعض بهوس الترند. ليبدو واقعا بديلا للفنون لا يستهدف القيم الإنسانية بقدر ما يستهدف اختراقها. ونتيجة لذلك أن اضمحلت الذائقة الجمالية عند الكاتب والقارئ معا. ما أعنيه هنا هو الحرص على الفن نفسه وليس الرسالة المضمرة فيه. وهذا يهدد فنون السرد بالتحديد. لكني لا أقبل أن يقوم محرر من طرف الناشر بتعديل أو تغيير في عملي الأدبي. أنا مبدع ومثقف وامتلك من المهارات الحيل الفنية لأحقق رسالتي الجمالية والاجتماعية في وقت واحد. لقد نجح محفوظ في معالجة قضايا غاية في الحساسية والعمق في نفس الوقت. لكنه لم يقع في فخاخ الشعارات والأيديولوجيا الفجة. ولذلك كانت أرى أن كل أشكال الهجوم عليه كانت مفتعلة وغير مقنعة. وليس معنى استجابته لهذه الاتهامات أنه كان خانعا ومنافقا بقدر ما كان واثقا في إمكاناته الفنية، ويدرك أن قيمته ستظل رمزا عالميا في تاريخ الأدب لم يحظ به أي كاتب عربي حتي الآن.
أما الشاعر "مؤمن سمير" فيرى أنه: إذا نظرنا بشكل مادي لعملية النشر كصناعة سنجدها تتكون من عناصر وتفاصيل عديدة ومرتبطة، أبرزها مادة الكتاب الذي يحمل المعرفة أيا كانت صورتها ثم الناشر الذي يتولى تحويل هذه المعرفة إلى منتج مادي في هيئة كتاب ثم يتولى توزيعه حتى يصل إلى الطرف الثالث المعنِي بالأساس بهذه المعرفة والمتوجهة إليه بالأساس وهو المتلقي.. هذه العناصر تتعاضد وتتكامل لتشكل هذه الصناعة الخطيرة التي أسهمت وماتزال بالدور الأبرز في تشكيل الوعي الإنساني على مر العصور- وبالتالي فإذا اختل أداء أي جزء أو عنصر منها أو فسد أو ضاع من تكوينه الحرية والأمان وتوخِّي القيمة، يكون الأمر مقلقا وربما غير ذي جدوى أو حتى قد ينقلب النفع المرجو إلى ضرر، حيث نكون في وضع يعد مؤشرا خطيرا يرمي بالإشارات السلبية على مكانة هذه الصناعة المؤسسة في سلم الحضارة.. هذه التقدمة تنبع من انزعاج حقيقي ورفض لأي حدث يقابلنا كل فترة للأسف يجترئ فيه ناشر ما على إبداع المبدعين وفكر المفكرين وعصارة أرواحهم.. والغريب أنه على الصعيد العملي لا تستطيع أن تجد أي مبرر لهذا الفعل حيث يكون متاحاً للناشر أن يرفض العمل إذا كان لا يستطيع تحمل مسئولية نشره أو كان مضمون الكتاب لا يتفق مع منطقه في النظر للأمور، لكن أن يتجرأ ويعطي لنفسه الحق في تشويه منطق الكتابة خضوعاً لمتطلبات وتوجهات الواقع المتغير دوماً أو تماهياً مع فكرة الرقابة التي باتت خارج العصر فهذا هو العبث بعينه.. والصورة الأكثر جرماً هي أن يكون المؤلف قد غادر الحياة وانتفت قدرته على الاعتراض والنقض، ساعتها يكون العبث اكثر احتداماً والفوضى تضحي في أقسى صورها.. ولقد عاينتُ بشكل شخصي الكثير من أشكال هذا العبث عندما كان لعمال المطابع في المؤسسات الحكومية السلطة على النصوص فكانوا يطمسون ما لا يتفق مع توجهاتهم وما يقررون أنه مخالف للقيم العامة وكأنهم هم حراس الفضائل والساهرين على ضمير الأمة، وبنفس المنطق كانت العديد من دور النشر الخاصة تتخوف من عدة ألفاظ أو جمل وتشترط حذفها لكن الذي كان يخفف من بعض الحالات هي التسويات التي كانت تتم بموافقة المؤلف ذاته وهو مضطر.. في النهاية وإزاء ما نحن فيه من فوضى لابد أن يتم تفعيل القوانين التي تكفل حماية إبداع المؤلفين من الأهواء وتقلباتها وحساباتها المعقدة التي لا تنتمي لأي منطق أو احترام أو قيمة وتغليظ عقوبة المخالفين.
بينما يذهب الكاتب الكبير "أحمد الخميسي" إلى: مع الوقت أصبحت بعض دور النشر لا تكتفي بما تجنيه من أرباح وبما تستولي عليه من جهد الكاتب مجانا ، بل ومضت ابعد من ذلك حين قام بعضها ويقوم بدور الرقيب على الادب، كأنما تنقصنا رقابة جديدة اضافية. وما تقوم به دور النشر في ذلك المضمار هو عدوان صريح على ابداع الكتاب والمترجمين، علاوة على نهب أجور الكتاب. وبكلمة واحدة محددة فإن ذلك عدوان على فكر وقلب ورؤية الأديب، والغريب ان من يقومون بذلك أشخاص لا علاقة لهم بالأدب والإبداع. هذه الجريمة أصابت المثقفين بالذهول حين تمت مع أعمال كاتب عظيم مثل نجيب محفوظ. واحاول أن اتخيل : من هو الذي تتوفر لديه الجرأة لتعديل وتصويب محفوظ ؟! ماهي مؤهلاته؟ قدراته؟!. للكاتب الانجليزي أوسكار وايلد عبارة يقول فيها : " قضيت طول النهار لأضع فاصلة، وطول الليل لأحذفها"! الي هذه الدرجة تكون أصغر التفاصيل هامة ومعذبة للكاتب، ثم يأتي مجهول وجاهل ليشطب ويحذف من الإبداع فقرات كاملة !
وفي اعتقادي أنه أصبح من الضروري الآن إن تشتغل عقود نشر الكتب على بند جديد يحدد بوضوح أنه ليس من حق الناشر لاحقا تعديل اي كلمة في النص. لابد من مكافحة هذه الظاهرة التي تنطوي على رقابة جديدة وأيضا على اللهاث وراء الذائقة التجارية.
ومن جانبه قال الكاتب "خالد إسماعيل": الحرية فى الدول العربية والغربية مرتبطه بسيطرة وتحضرالحكومات وارتباطها بصندوق الانتخاب، مثلا الديمقراطية فى أوربا وأمريكا تعطى الجماهيرمساحة اختيارواسعة ، والكتاب والمبدعون عموما مستفيدون من الأوضاع التى تحترم فكرة الديمقراطية ،لكن هناك سقف يلتزم به الناس فى البلاد اأوربية أو الغرب عموما ،هو سقف "رأس المال " المتحكم فى مصائر الناس،فمثلا لجأ "بوش الأب " لتقديم مبررات للشعب الأمريكى لغزو العراق منها مبررات دينية وخطابات لها علاقة بالحضارة والسلم والأمن وحرية المواطن الأمريكى ،واستعان بقوات "مرتزقة" ووضعها فى مقدمة الجبهة ،لأن "الرجل الأبيض" هو السيد الذى يفتديه الملونون ، حتى لو كانوا يحملون الجنسية الأمريكية ،والعكس هو ما حدث فى العراق ، قررصدام حسين غزو الكويت ولم يستأذن الشعب العراقى ولم يكن فى حاجة لتبرير قراره ،لأنه "حاكم إله ،هذا هو الفارق ـ بالضبط ـ بين حرية الابداع فى الغرب وفى الدول العربية ، فارق مرجعه اختلاف درجة تحضر"الحكومات " ونسبة "الديمقراطية "، وللعلم "الرقابة " كانت فى هيئات النشرالحكومية المصرية ومازالت قائمة ولكن بصيغة غيررسمية ،أنا مثلا كتبت "تعهدرسمى " وقدمته للجهة التى تمنح أرقام الإيداع الخاصة بالكتب ،قلت فيه إن "مجموعة قصص مقتل بخيته القصاصة " ليس فيها ما يهدد ثوابت الأمة ولا السلم الأهلى ،هذا حدث من عدة شهور، وخلاصة القول ،لاتوجد "حرية إبداع" مطلقة ، لكنها "نسبية " مشروطة بوعى "رأس المال " الذى يتولى إنتاج الكتاب أو الفيلم أو الأغنية ،وفى الواقع العربى واقع خاص ،يتمثل فى وجود "رأس المال السلفى " الذى يتبنى الرؤية المحافظة المعادية لفكرة حرية الإبداع ،ويمكنك مراجعة شروط دور النشر التى ظهرت فى مصر مؤخرا ، كلها تدورحول التزام الكاتب بالأخلاق واحترام ثوابت الأمة ،وبعض دور النشر تشترط الكتابة باللغة العربية الفصحى وخلو الروايات من الكلمات الخارجة والمشاهد الخادشة للحياء.
ومن جهته قال القاص الشاب "محمد الحديني": رغم أن هذا الأمر متشابك ويحمل عدة إشكاليات إلا أنه رغم تعقيده الظاهري يحمل الحل في باطنه. أظن الأمر برمته يقع على الكاتب الذي ينبغي أن يتحلى بالمرونة والذكاء اللذان يمكنانه من مراعاة ما يحيط به من ظروف ومحاذير وضوابط دينية ومجتمعية. فالكاتب يستطيع إيصال رسالته أيضا بشكل مستتر يصعب على مقص الرقيب أن يطاله. أما إذا كان الكاتب يبحث عن الشهرة من بابها الخلفي وأقصد هنا إثارة الجدل وإدعاء وقوع ظلم ما عليه فهذا شأن آخر.
أما عن الناشر، فالقاعدة تقول أن العقد شريعة المتعاقدين، ومن ثم يجب أن يكون هناك مصارحة بين الكاتب من جهة والناشر من الجهة الأخرى في بداية التعاقد أو الاتفاق فيما يتعلق بالعنوان أو محتوى العمل الأدبي كليا أو جزئيا وبناء عليه فأي تدخل فردي من قبل الناشر في العمل الأدبي بالتغيير أو التعديل أو الحذف هو في نظري تشويه وتعدي صريح على العمل الأدبي.
|