القاهرة 14 مارس 2023 الساعة 10:52 ص

كتبت: ياسمين سعيد
الحديث عن المرأة والموقف منها ومن قضاياها مؤشر واضح يحدد طبيعة الموقف الإنساني نحوها لأي فنان أو مثقف أو مخرج، وسوف نحاول الاقتراب من عالم المخرج الكبير الراحل محمد خان السينمائي لنتبين موقع المرأة في أفلامه من خلال أربعة أفلام مختلفة.
فنجد فيلم (أحلام هند وكاميليا) والذي تم إنتاجه عام 1988، ويعد الفيلم تجربة عظيمة تنتمي إلى نوعية السينما المستقلة وهي النوعية التي لا تمت بصلة إلى نوعية الأفلام التجارية ذات الإنتاج الضخم ولكنها تعتمد على ميزانية إنتاج محدودة ولكن بأفكار عميقة ذات قضايا إجتماعية بعينها ومغايرة للقضايا التي تتبناها السينما التجارية.
وفي فيلم "أحلام هند وكاميليا" تمكن محمد خان أن يتغلغل داخل أحشاء المجتمع ليبرز لنا شريحة بائسة جدا، ألا وهي شريحة الخدم والبلطجية والأفاقين الذين أفرزتها العشوائيات عقب الحرب والانفتاح الاقتصادي، وكان المقصود به تغيير التوجه الاقتصادي للدولة من الاشتراكية إلى الرأسمالية، الأمر الذي أفرز تلك الطبقة الفقيرة والمهمشة، ومن خلال أحداث الفيلم نرى العالم عبر عيني خادمتين هما "هند وكاميليا" شابتين تحلمان بالعيش بحرية وتنفس هواء نظيف هربا من الاستعباد وخدمة بيوت الأسياد، وتحلمان أيضا بالحب والطمأنينة والأمان بصحبة الطفلة الوليدة "احلام" في كنف رجل يوفر لهن سقفا وأربعة حيطان، ويمنع عنهن قسوة ومرارة الحياة.
وكلها أحلام طبيعية وبسيطة ومشروعة للجميع، ورغم ذلك تلطمهن الحياة على وجهوهن وتجهض كل أحلامهن ليجدن أنفسهن في مواجهة غير عادلة مع الحياة التي ترغمهن على البقاء في الاستعباد والشقاء وخدمة بيوت الأثرياء.
أيضا فيلم "زوجة رجل مهم" إنتاج عام 1987، وهنا نرى ميرفت أمين التي ارتبطت وتزوجت ضابط أمن دولة أحمد زكي ذلك الرجل النرجسي المتسلط الذي أفسدته السلطة وحولته إلى دكتاتور يقهر كل من يقع تحت يده، وبعد الاستغناء عنه وفصله من عمله وسحب السلطة منه فلا يجد أمامه سوى زوجته ليمارس عليها سلطته وديكتاتوريته بعد أن جن جنونه، فتحاول أن تهرب منه إلى منزل والدها الذي يقتل برصاص هذا الضابط المفصول بعد أن فقد كل شيء حتى أنه فقد عقله.
وفي فيلم "بنات وسط البلد" الذي تم إنتاجه عام 2005، يحاول خان أن ينحاز إلى جيل بنات الألفية الثالثة اللاتي نزلن إلى العمل في وسط البلد بمعالمه وأسواقه ومقاهيه ومحلاته، وتحلم كل منهن بفارس أحلام بعيدًا عن المقاييس المعتادة، فقد تغيرت الأفكار لتتناسب مع روح العصر خاصة وأنهن أصبحن أكثر حرية يحلمن بمستقبل أفضل على جميع المستويات.
أما عن فيلم "في شقة مصر الجديدة" إنتاج عام 2007، فهو تجسيدًا لفكرة العودة إلى الماضي هروبًا من أزمة الحاضر، بحثًا عن شعاع نور وسط الظلام في حياة بالنسبة للبطلة ليس لها ملامح أو طعم أو لون..
فعند التأمل لأفيش الفيلم نجده يحتوي على تفصيلات بسيطة ولكنها تحمل بين طياتها مشاعر البطلة التي تبحث عن النور وسط الظلام، فنجد فتاة في ثوب بسيط وفي رابطة شعر بسيطة تقف أمام باب شقة خشبي قديم، في منطقة ما بين النور والظلام مترددة في دق الجرس، حيث ينبعث من باب الشقة شعاع ضوء غامض وليس صافي ولكنه في النهاية ضوء، فماذا يحمل ورائه للبطلة التي تنتظر خلفه؟
أيضا نكتشف من خلال أحداث الفيلم أن رحلة البطلة ليست رحلة للمكان (مصر الجديدة) ذاتها، ولكنها رحلة لمشاعر وأعماق النفس البشرية، ليكشف لنا بعضًا من الحقائق غير المرئية.. فهذه الفتاة الشابة تفتقد الحب في الحاضر الذي تعيشه فيأخذها الحنين للبحث عن معلمتها أبلة تهاني أول من علمتها الحب والموسيقى والأغاني الرومانسية، وكأنها تبحث عن الحب، إلى أن تلتقي صدفة بيحيى الذي يشعر بالحب نحوها أخيرًا، وتبادله هي أيضًا نفس المشاعر بعد رحلة بحث ليست سهلة بالنسبة للبطلة.
|