القاهرة 14 مارس 2023 الساعة 10:50 ص
كتب: حسين عبد الرحيم
لايعلم معظم المنتمين لعالم السينما، ولا حتى المدقق منهم الكثير عن المخرج الراحل حسام الدين مصطفى، الذي اختلف حوله الكثيرون في مجالات النقد والمتابعة والتصنيف، وحتى تشريح الاتجاهات السينمائية ولا موضوعاتها السياسية تحديدا، ولا حتى الفكرية، ولا حتى الاقل مما هم معنيون بتقييم التجارب والأشكال الفنية السينمائية أو الدرامية..
حسام الدين مصطفى صاحب الإشكالية في طرحه وفي لغته وكادراته وأدواته كمخرج موهوب حتى أنه «الكاميرا مان» في غالبية أعماله وتحديدا فيلمه «الاخوة الأعداء» المأخوذ عن رواية الكاتب الروسي ديستويفسكي والتي نال من خلالها أول وأهم جائزة دولية من مهرجان "طشقند" بالاتحاد السوفيتى سابقا كأحسن مخرج، كون ما أخرجه حسام، تفوق به تقنيا وجماليا وحتى تصويريا عن مثيله الأمريكى" ريتشارد بروكس"و الذي تفوق عليه "حسام" فيما يخص اختيارة لذروة القصة وكادرات التصوير وكذلك ما توافق مع رؤيته في ماهية الممثل وشكل الأداء وعلى رأس هذا الكاستينج كان الممثل محي إسماعيل.
حسام الدين مصطفى إذا لم يقل في حرفية تلقى النص وتحويلة عبر شريط السينما والصوت إلى أداة ورؤى تعددت تأويلها مابين الحسية والبعد النفسى وفلاتر بل وظلال الضوء والظل في التصوير الذي تولى حسام إبرازه، كمصور سينمائي و" كاميرا مان" لا يقل حرفية ولا تميزا في السينما العالمية ولا الأمريكية/ الروسية.
حسام الدين مصطفى المثير للجدل.. كونه أول مخرج مصري وعربي يزور إسرائيل عقب معاهدة كامب ديفيد مؤيدا للسادات ورؤيته عن السلام.
عرفت عن حسام الكثير كوني قد لازمته وزرته في بيته أكثر من مرة بدعوة منه، بدأت عقب رؤيتي لفيلميه الذي أثرا في وجداني كثيرا، وهما السمان والخريف، والطريق..
هو المولود في بورسعيد 22 فبراير 1926، والذي ناوش اسرته كثيرا بكونه كان مغايرا/ مختلفا عن كل الشباب من جيله و سنه، سافر للولايات المتحدة الأمريكية لدراسة فن الدراما والإخراج والتصوير عام1951، بعد انتهاءه من تحصيل بكالوريوس المعهد العالي للسينما من مصر 1950، ليستقر هناك ستة أعوام كان فيها مغايرا بالفعل في كل ما عمل معهم من أساطين فن الدراما والاكشن.
عمل «حسام الدين مصطفى» مساعدا للعظيم سيسل دي ميل، أحد أهم مخرجي السينما الأمريكية بل من المؤسسين العظام لفن التشويق والدراما في مهدها بالأبيض والاسود، ليحترف هناك بعد ذلك بحدة ذكاءه واختلافه وامتلاكه لرؤية فريدة في ماهيات الإخراج والساسبنس والتشويق، وتعرف من بعد سعيه للتقرب لرائد افلام الاكشن والتشويق أيضا والرعب في غالب الاحيان ألفريد هيتشكوك.. لمدة عامين وحدث تلاق فيما يخص رؤى عديدة ومنسجمة في الطرح الدرامي في مسار أفلام الأكشن والتنويع عليها كالويسترن الأمريكي بروح قامة مثل، آلفريد هيتشكوك، الذي تنحى عنها، فلبد فيها حسام الدين مصطفى وطور من أدواتها، وآلياته، بصبغة مصرية ليعود عام 1956 للقاهرة حاملا رؤى متعددة تخص ثقافته وذائقته عن أفلام الحركة وغيرها الكثير من أعمال ميلودرامية تعددت أشكالها فصار ممن ينتظر الجماهير أعماله بشغف خاصة فترة مابعد الستينيات وتحديدا عقب حرب أكتوبر وما تبعها من انفتاح اقتصادى وجه مسار السينما المصرية للاهتمام بالشباك وسيتما الأكشن والفتوات والمظالم الميلودرامية الفجة وهذا ما برع فيه "حسام".
حسام الدين مصطفى قدم خلال مشواره السينمائي أكثر من ثمانين فيلما، والعديد من الاعمال الدرامية في التليفزيون المصري وبعض الدول العربية، بدءا من «كفاية ياعين» الذي لم يتحمس أحدا لإنتاجه فأنتجه من ماله وكان معرضا للإفلاس وهو في بداية طريقه الاحترافي.
ومن أبرز ماحققه كان الجمع بين أكثر من مدرسة إخراجية فهو بالفعل كان في خلفيته الثقافية، مكان ومكانة لسابقيه، مثل نيازي مصطفي، ولكنه ومع تعدد جنوحاته في مسار التقليب، في و عن النص السينمائي، المثير والجديد والطارح الطافح بكل فكر غير تقليدي مثل الباطنية، وغرام الافاعي، وشهد الملكة، ونساء بلا غد، هي والشياطين، وعالم مضحك جدا، إمرأة ورجل، لينحو فلا ينجو من الأقاويل التي تتهمه بفض وفضح المسكوت عنه في أعماله والتي قلبت الطاولة عليه وعلى صناع منتجي السينما المصرية انذاك - فهو مخرج "درب الهوى" - وكالة البلح _النظارة السوداء والحرافيش والسكاكيني، ومتون الجزالة والرؤى الفلسفية في أدب نجيب محفوظ الذي فجر من خلالها "مصطفى" الكثير والجرئ عن ماهيات الاغتراب، والتناقض الفردي واستغلال النفوذ من قبل رجال ومسئولي الحاشية في العهد الملكي والناصري أيضًا، كان هناك فيلم، الشحاذ، الطريق، السمان والخريف، الذي فتح بابا جديدا لكيفية تعامل وتعاون المخرج كقاريء منحاز للنص الأدبي.
لم ينسجم كثيرا مع محمود مرسي، كون مرسي ممثل مختلف وله بصمته الخاصة في عالم الدراما والفن وبين مخرج كحسام جاء بمجد ليس زائف وهو القريب في التناص مع نص وحيد بعينه _السمان والخريف الذي لم يقبل فيه «مرسى» بتعليمات «حسام» فكان التلاق في أعمق النقاط ازدواجية ونزق وعصابية التكوين عند "عيسى الدباغ" في الرواية، وماراق لحسام من تفاصيل بروفات الترابيز التي جمعته بمحمود مرسى، فكان الانسجام الذي أدهش نجيب محفوظ وليصير شريط فيلم «السمان والخريف» هو أقرب نص سينمائي لروح رواية نجيب محفوظ ويقر أديب نوبل بذلك بالفعل، في أكثر من لقاء للبطل والمخرج.
والغريب في سيرة المخرج الذي يتوافق اليوم، ذكرى رحيله الثالثة والعشرين مع تجليات ماهيات التطبيع والتعامل مع إسرائيل من قبل أكثر من دولة عربية واتفاقيات الغاز- فما اشبه الليلة..المثير في رحلة المخرج الذي لم ينتمى لتيار ولا أيدولوجيا سياسية بعينها حيث قدم الكثير من الأعمال، كان انحيازه للحرية حتى فوجئ بشطب اسمه من نقابة المهن السينمائية نتيجة زيارته لإسرائيل نهاية السبعينيات..وهو الذي اقتنع بالمعاهدة، كفتح، لطرق السلام والتعامل والشراكة ومعرفة الآخر والاطلاع أو كشف مايضمر بعد الاطلاع على ثقافته، ويظل وسيبقى حسام الدين مصطفى هو أبرز مخرجي جيله في تعدد الرؤى وعناوين أفلامه والكم الكبير المختلف من كافة جموع النجوم ونجمات السينما المصرية على مدار خمسة عقود مفجرا العديد من التجليات في عدم التزام المخرج بشكل ما في الطرح يجعله محلك سر.
تعامل مع نادية الجندي، ومحمود مرسي، وماجدة الخطيب في «توحيدة» وحتى هشام عبد الحميد في «غرام الافاعي» . تزوج حسام الدين مصطفى من الفنانة نيللي وله إبنه واحدة «زينب» من زوجته الأولى من خارج الوسط الفنى، في العقد الرابع، وهي التي لم تزل تجتر سيرة الأب المختلف والتي تحمل ملامح فراسة وتناقض المثقف الرؤيوي المتعدد الثقافات والذائب لحد التماس والتماهي مع أفكاره لدرجة جعلت منه مثار تساؤل وإعجاب ورفض من محبيه ومحبي أفلامه قبل كارهيه.
حسام الدين مصطفى الذي قدم للتليفزيون المصري أكثر من عشرة مسلسلات درامية منهم الفرسان، وصلاح الدين الأيوبي ليدشن اسمه بأحرف من نار ونور بعد رحلة عطاء استمرت لاكثر من سبعين عاما. ويرحل حسام الدين مصطفى عام 2000 أثر جلطة قلبية أدت لوفاته بمنزله تاركاً من خلفه تراثا وعناوين مفارقة وخصبة في مسارات سينما الأكشن ودراما النفس و العنف والفكر والحب في أوعية مصطلح "سينما الترسو" من قبل المشاهد المصري.
|