القاهرة 14 مارس 2023 الساعة 10:42 ص
بقلم: د. حسين عبد البصير
لعل السبب في وجود المومياوات المصرية من الأصل يرجع إلى اعتقاد المصريين القدماء في حياة أخرى بعد الموت. وكان الحفاظ على الجسد أهم العناصر الأساسية لاستمرار هذه الحياة مرة أخرى. وتطورت عملية التحنيط عبر آلاف السنين من الأجساد المدفونة في حفرات بسيطة في رمال الصحراء إلى الأجساد المعتني بها عناية فائقة بلفها في اللفائف الكتانية.
يرجع الأصل في هذا الاعتقاد الذي ساد بين عدد كبير من البشر في أنحاء العالم لوجود بعض النقوش داخل بعض المقابر الفرعونية تصب اللعنة على الذين يفسدون على الفراعنة أوقات راحتهم ويسطون على المقابر بغية السرقة، فهؤلاء ستصيبهم اللعنة بمرض لا يعرف الأطباء له علاجًا، وسيموتون في نهاية الأمر.
كان الهدف من وراء كتابة هذه النصوص التحذيرية هو منع اللصوص من اقتحام المقابر وسرقة محتوياتها من الأشياء الثمينة وعدم إعاقة رحلة المتوفى في العالم الآخر حتى يبعث من جديد وينعم بحياة خالدة في جنات النعيم. لقد آمن المصري القديم إيمانًا كبيرًا بقوة الكلمة المكتوبة التي كانت تعد نوعًا من السحر مما جعله يكتب مثل هذه النصوص واللعنات داخل مقبرته؛ فالكلمة عنده تحمل قدرًا كبيرًا من السحر ولها القدرة على الفاعلية وإعاقة اللصوص عن اقتحام مقبرته وسرقة محتوياتها التي يريد أن يتزود بها في رحلته في عالم الآخرة.
كثرت نصوص اللعنة الحامية بشكل دقيق منذ عصر الدولة القديمة (2191-2687 ق.م) في محاكمة صاحب المقبرة في العالم الآخر ضد الأعداء. ففي مقبرة المدعو «ني كا عنخ» في طهنا التي تعود إلى الفترة نفسها، يعلن صاحب المقبرة: «بالنسبة لأي شخص سوف يحدث فوضى، سوف أحاكم معه». وعلى كتلة حجرية من مقبرة مفقودة تعود إلى العصر نفسه، يوجد نص يهدد بالعقاب الآتي: «التمساح ضده في الماء، الثعبان ضده على الأرض، الذي تسول له نفسه فعل أي شيء ضد هذه المقبرة، لن أفعل شيئا ضده، إنه الإله الذي سوف يحاسبه».
تحمل اكتشافات «بناة الأهرام» في هضبة الجيزة التي اكتشفها الدكتور زاهي حواس وفريقه- عددًا من المفاجآت، من بينها نص اللعنة الذي نقش في مقبرة رئيس العمال الفنان: «بتتي» لحماية مقبرته، ونقش نص آخر خاص بزوجته: «نس سوكر»، يقول: «أيها الأحياء أجمعين، الداخلون إلى هذا القبر، المعتدون على هذا القبر بتشويهه، التمساح عليكم في الماء، الثعابين عليكم في الأرض، وأفراس النهر عليكم في الماء، والعقارب عليكم في الأرض».
في مقبرة المدعو «عنخ مع حور» في منطقة سقارة الأثرية، من الفترة نفسها، يقول صاحبها: «بالنسبة لأي شيء من المحتمل أن تفعله ضد مقبرتي في الغرب، الشيء نفسه سوف يُفعل في ممتلكاتك. أنا كاهن مرتل رفيع المستوى، أعرف أسرار التعاويذ وكل أنواع السحر. بالنسبة لمن يدخل مقبرتي غير طاهر، سوف أقبض عليه كأوزة وأقذف الرعب في قلبه كما لو أنه يرى الأشباح على الأرض، بينما من يدخلها طاهرًا وسالمًا، سوف أكون حاميه في الآخرة في ساحة الإله العظيم».
هدّد حكيم الأسرة الثامنة عشرة الأشهر «أمنحتب بن حابو» كل من يقتحم مقبرته أو يعطل شعائرها الأخروية بقائمة من العقوبات مثل: «سوف يفقدون وظائفهم على الأرض، ويرمون في البحر، ويحرمون من الذرية، ولا تُحفر لهم مقبرة أو تقدم لهم قرابين، وسوف تفنى أجسادهم».
هناك رواية شهيرة من العام الثاني عشر من حكم الإسكندر الرابع (عام 312 ق.م) تقول: «بالنسبة لأي أحد من أي بلد -النوبة وكوش وسوريا- الذي سوف يغير من هذا الكتاب أو يحرّكه، لن يُدفن، ولن يتسلم أية قرابين، ولن يستنشق البخور، ولن يرفع الماء له أي ابن أو ابنة، ولن يذكر اسمه في أي مكان على الأرض، ولن يرى أشعة الشمس».
حقيقة لا توجد لعنة فراعنة كما يدّعي البعض. وإن كان البعض قد مات، فلم تكن لعنة الفراعنة هي السبب. وقد نفى عالم الآثار الدكتور محرز كمال ذلك، وقال إنه لا توجد لعنة فراعنة ومات في الحال. وحقيقة الأمر أن الدكتور كمال لم يكن في يوم من الأيام عالم آثار فرعونية فلم يحفر داخل المقابر أو المعابد الفرعونية، بل كان واحدًا من المختصين في الفنون الإسلامية؛ لذا فمن غير المنطقي القول إنه مات متأثرًا بلعنة الفراعنة، وإنما مات متأثرًا بأمراض الشيخوخة، فقد كان طاعنًا في السن.
يحدث الموت المفاجئ للذين يدخلون مقابر الفراعنة من الأثريين نتيجة تحلل المواد العضوية الموجودة داخل المقابر الفرعونية لآلاف السنين والموجودة في القرابين التي حرص المصريون القدماء على اصطحابها معهم في رحلتهم إلى العالم الآخر حتى يفيدوا منها في ذلك العالم الغامض الذي اعتقدوا أنه يشبه عالمهم الأول على الأرض، يحتاج فيه المرء لمأكل ومشرب وملبس، ومن ثم زوّدوا مقابرهم بهذه الأشياء التي تحللت بمضي الوقت، وأنتجت عددًا لا يحصى من الغازات والأبخرة السامة والبكتيريا التي ما إن يتنفسها المرء، حتى يغيب عن الوعي ومن ثم عن الحياة بالتبعية؛ لذا ينصح الأثريون عند افتتاح مقبرة جديدة أول مرة، ولم تكن قد فُتحت من قبل، بأن تترك فترة زمنية مناسبة حتى تتطهر من كل ما بها من مخلفات عضوية ذات غازات وأبخرة سامة مضرة وبكتيريا. لا توجد لعنة فراعنة، وإنما توجد لعنة الهوس بالفراعنة.
|