القاهرة 11 مارس 2023 الساعة 09:42 م

بقلم: د. حسين عبد البصير
حبا الله مصر بمقومات سياحية هائلة، وآثار فريدة ومتنوعة، تركها قدماء المصريين، وتميز مصر عن سائر دول العالم. وعلى هذه الأرض العريقة، تعاقب الأجيال، وبنوا الحضارات المختلفة، وتركوا للإنسانية إرثًا متنوعًا من الآثار الفريدة الشاهدة على كل عصر منذ آلاف السنوات قبل الميلاد، ومرورًا بالقرون المختلفة إلى مصر المعاصرة التي ما تزال تثير شغف وإعجاب الجميع.
إن الزائر لمصر يجد ما يشبع شغفه بالتاريخ والآثار والسياحة أيًا كانت الحقبة من مختلف عصورها التاريخية التي تُثير اهتمامه وعشقه. مصر أعظم وجهة سياحية وثقافية وحضارية في العالم كله قديمًا وحديثًا. حضارة مصر جميلة وغنية ومدهشة وملهمة وساحرة وخالدة. فمصر عظيمة بآثارها ومعالمها السياحية الساحرة التي ليس لها مثيل في العالم.
إن أسرار الحضارة المصرية العريقة هي إحدى نقاط القوة التي تتميز بها مصر. ومصر هي التي أبدعت وعلمت العالم. عرف الإنسان المصري العالم، وخبره جيدًا، وأعني عالمه الذي كان يعيش فيه، والذي كان يعرف كل تفاصيله بدقة بالغة، فأبدع لنا تلك الحضارة المدهشة التي كانت وما تزال وسوف تظل تبهرنا بآثارها الجميلة وتاريخها العظيم وقيمها الخالدة وأفكارها الخلابة وأخلاقياتها السامية. وجالت الفكرة في عقل المصري، وبناءً عليها أبدع عالمه الشامل الكامل؛ ذلك العالم المدهش من السحر والجمال والغموض المبني على أسس ثابتة من القيم والمعايير الأخلاقية والفكرية والجمالية والعملية.
قدس الإنسان المصري الإله خالق الكون في عليائه. وأقام له المعابد؛ كي يقدم له فيها آيات الشكر وقرابين العرفان على كل ما أمده به من كل الأشياء الطيبة في حياته الأولى على الأرض، وكذلك بسبب ما كان يطمح إليه من الحصول على رضاه؛ كي يدخل "حقول الإيارو" أو الجنة في العالم الآخر في مصر القديمة. وحمد الإله في معابده في طول البلاد وعرضها؛ بسبب ما قدَّمه له من حماية ودعم ونصر مبين، وقدم القرابين له في معابده؛ كي يشكره على ما أولاه له من رعاية وحماية. وحارب الملوك المصريون القدماء تحت راية الإله الخالق العظيم. ونسبوا النصر الذي حققوه إلى الدعم الكبير الذي قدمه لهم في أرض المعارك.
وأسَّس المصري أول امبراطورية في التاريخ بعد تعرض مصر لمحنة احتلال الهكسوس القاسية. وجلبوا خيرات البلاد التي فتحوها إلى معابد الإله وكهنته. وصارت المعابد والمقابر تُبنى باستمرار الواحد تلو الآخر. وصارت تضيف سطرًا جديدًا وجميلاً في تاريخ مصر القديمة والبشرية جمعاء. وصارت آثار المصريين القدماء أكثر جمالاً وغموضًا وأشد سحرًا. وأخذت فكرة البناء والتشييد تصير على عقول كل الملوك المصريين القدماء. وصارت مصر عارمة بكل الأنواع من كل الآثار الجميلة سواء أكانت آثارًا تخص العالم الآخر، مثل المقابر أو المعابد الجنائزية، أو تخص الحياة الدنيا على الأرض مثل معابد الآلهة والمدن والبيوت والتجمعات السكنية وأماكن الأنشطة التجارية والصناعية. وكانت مصر القديمة في الأصل فكرة، ثم تحولت الفكرة إلى خطط ومشروعات تم تنفيذ بعضها، ولم يتم إكمال بعضها، أو تم إهمال أو تدمير بعضها. وقبل أن يصل بنا الانبهار بآثار مصر القديمة غايته، كان انبهار الرحالة الكلاسيكيين على أشده. وكتبوا عنها ما جعل منها أعجوبة الأعاجيب في كل زمان ومكان.
وكانت قيم الصدق والدقة والاتقان هي المسيطرة على عقول المصريين القدماء وهم يخطون بالقلم من أجل البدء في تنفيذ مشروعاتهم العديدة سواء في الفكر أو في الفن أو في العمارة أو في العلم أو في الفلك أو الحساب أو في الهندسة أو في الأخلاق والضمير والأدب والقيم، أو في غيرها الكثير.
هذه هي مصر القديمة ببساطة.. وهي هذه هي فكرتها.. وهذه هي قيمها التي روت العالم كله وما يزال العالم كله يرتوي من كل ما هو مصري قديم.
|