القاهرة 07 مارس 2023 الساعة 10:15 ص
بقلم: د. حسين عبد البصير
اكتشفت البعثة المصرية برئاسة الدكتور زاهي حواس المدينة المفقودة، والتي كانت تُسمَّى "صعود آتون". ويعود تاريخها إلى أمنحتب الثالث. واستمر استخدام المدينة من قِبَل توت عنخ آمون، أي أنها تاريخها يعود إلى أكثر من 3000 عام مضت. وبدأ العمل في المنطقة للبحث عن المعبد الجنائزي الخاص بتوت عنخ آمون؛ لأنه تم العثور على معبديّ آي وحور محب سابقًا. وعثرت البعثة على واحدة من أكبر المدن في مصر، والتي أسسها أمنحتب الثالث.
وتعد المدينة هي أكبر مستوطنة إدارية وصناعية في عصر الإمبراطورية في الدولة الحديثة على الضفة الغربية للأقصر، حيث عُثر بالمدينة على منازل يصل ارتفاع بعض جدرانها إلى ثلاثة أمتار، ومقسَّمة إلى شوارع. وتمَّ الكشف عن جزءٍ من المدينة يمتد غربًا، حتى صارت منطقة دير المدينة جزءًا من المدينة المكتشفة. وبدأت أعمال التنقيب.
وبدأت تشكيلات من الطوب اللبن بالظهور في جميع الاتجاهات. وكانت دهشة كبيرة للبعثة الأثرية، حينما اكتشفت أن الموقع هو مدينة كبيرة في حالة جيدة من الحفظ، ذات جدران شبه مكتملة، وغرف مليئة بأدوات الحياة اليومية. وبقيت الطبقات الأثرية على حالها منذ آلاف السنين. وتركها السكان القدماء كما لو أنها كانت بالأمس القريب.
إن اكتشاف المدينة، لم يمنح العلماء لمحةً نادرةً عن حياة المصريين في عصر الإمبراطورية في الدولة الحديثة فحسب، ولكنه أيضًا سيساعد العلماء في إلقاء الضوء على أحد أعظم الألغاز في التاريخ، ولماذا قرَّر أخناتون ونفرتيتي ترك طيبة، أو الأقصر الحالية إلى تل العمارنة.
وتقع منطقة الحفائر بين معبد رمسيس الثالث ومعبد أمنحتب الثالث. وبدأت البعثة العمل في المنطقة بحثًا عن معبد توت عنخ آمون الجنائزي. وكان الملك آي قام ببناء معبده فوق مكان يقع إلى الجانب الجنوبي لمعبد رمسيس الثالث، والذي تم بناؤه لاحقًا في عصر الرعامسة بعد آي.
وكان الهدفُ الأوَّلُ للبعثة هو تحديد تاريخ المدينة، حيث تم العثور على كتابات هيروغليفية على أغطية خزفية لأواني النبيذ.
وتخبر المراجع أن المدينة كانت تتألف من ثلاثة قصور ملكية لأمنحتب الثالث، بالإضافة إلى المركز الإداري والصناعي للإمبراطورية المصرية. وأكد عددٌ كبيرٌ من الاكتشافات الأثرية على تاريخ المدينة مثل الخواتم والجعارين والأواني الفخارية الملونة والطوب اللِّبن الذي يحمل أختام خرطوش أمنحتب الثالث.
وبعد أشهر من التنقيب، تم الكشف عن عدة مناطق أو أحياء بتلك المدينة. وعثرت البعثة في الجزء الجنوبي على مخبز ومنطقة للطهي وأماكن إعداد الطعام كاملة مع الأفران وأواني التخزين الفخارية. وكان يقوم على الخدمة بها عددٌ كبيرٌ من العمال والموظفين. والمنطقة الثانية، والتي تم الكشف عنها جزئيًّا، فهي تمثِّل الحي الإداري والسكني الذي ضم وحدات أكبر ذات تنظيم جيد. وهذه المنطقة مسيجة بجدار متعرج، مع نقطة دخول واحدة فقط تؤدي إلى ممرات داخلية ومناطق سكنية. وهذا المدخل الوحيد يجعل العلماء يعتقدون أنه كان يمثِّل نقطة ارتكاز أمني نوعًا ما حيث كانت لها القدرة على التحكم في الدخول والخروج إلى المناطق المغلقة.
وتعتبر الجدران المتعرجة من العناصر المعمارية النادرة في العمارة المصرية. واُستخدمت بشكل أساسي في نهاية الأسرة الثامنة عشرة. والمنطقة الثالثة هي ورشة العمل. وتضم في إحدى جهاتها منطقة إنتاج الطوب اللَّبِن المستخدم لبناء المعابد والملحقات. ويحمل الطوب أختامًا بها خرطوش أمنحتب الثالث. وتم اكتشاف عدد كبير من قوالب الصب الخاصة بإنتاج التمائم والعناصر الزخرفية الدقيقة. ويُعَدُّ هذا دليلاً آخر على النشاط الواسع في المدينة لإنتاج زخارف كل من المعابد والمقابر.
وعثرت البعثة في جميع أنحاء مناطق الحفائر على العديد من الأدوات المستخدمة في النشاط الصناعي، مثل أعمال الغزل والنسيج. وتم اكتشاف ركام المعادن والزجاج. وتم العثور على دفنتين غير مألوفتين لبقرة، أو ثور، داخل إحدى الغرف. وتم العثور على دفنة رائعة لشخص، وذراعاه ممدودتان إلى جانبه، وبقايا حبل ملفوف حول ركبتيه.
ويعد موقع ووضع هذا الهيكل العظمي غريب نوعًا ما. وتم العثور على إناء يحتوي على جالونين من اللحم المجفف أو المسلوق (حوالي 10 كجم). ويحمل كتابات قيمة يمكن قراءتها كما يلي: "السنة 37، لحوم مسلوقة لعيد حب سد الثالث من جزارة حظيرة "خع" التي صنعها الجزار إيوي".
وهذه المعلومات القيمة لا تعطي فقط اسمي شخصين كانا يعيشان ويعملان في المدينة، بل تؤكد أن المدينة كانت نشطةً في زمن مشاركة أمنحتب الثالث مع ابنه أمنحتب الرابع / أخناتون بعد ذلك.
وعثرت البعثة أيضًا على نَصٍّ مكتوب على طبعة ختم يقرأ كما يلي: "جم با آتون". وهذا اسم المعبد الذي بناه أمنحتب الرابع / أخناتون لمعبود الجديد الإله آتون داخل معابد الكرنك. وتم الكشف عن مقبرة كبيرة. واكتشفت البعثة مجموعة من المقابر المنحوتة في الصخور بأحجام مختلفة، والتي يمكن الوصول إليها من خلال سلالم منحوتة في الصخر. وهناك سمة مشتركة لبناء المقابر في وادي الملوك ومقابر النبلاء. وأتاحت أعمال التنقيب المستمرة الوصول إلى طبقة النشاط الأصلية للمدينة حيث تم كشف النقاب عن معلومات تضيف إلى التاريخ وتعطي نظرة ثاقبة فريدة عن عائلة توت عنخ آمون.
ويقدِّم اكتشاف المدينة المفقودة أيضًا فهمًا أعمق للحياة اليومية للمصريين القدماء من حيث أسلوب بناء وديكورات المنازل والأدوات التي استخدموها وكيفية تنظيم العمل. وجاء الكثير من المعلومات حول المقابر والمعابد، ولكن هذه هي المرة يتم الكشف عن أسرار عن حياة ملوك عصر العمارنة وما قبله.
|