القاهرة 07 مارس 2023 الساعة 10:12 ص

قراءة: صلاح صيام
كعادتها تصدمك الكاتبة الصحفية فكرية أحمد بعناوين رواياتها، بل وموضوعاتها، فبعد أن ناقشت فى روايتها قبل الأخيرة العالم السفلي والجن والشعوذة، تأخذنا هذة المرة فى محكمة فريدة من نوعها للواقع اللامعقول، "محاكمة الحجر الأسود" وتسير على درب الجرأة فى تناول الموضوعات الشائكة في المجتمع دون خوف، لتعرى وجه الحقيقة الغائبة، أو التي يتجاهلها اغلب المجتمع متعمدا ليعانق عبثية الحياة، ويواصل رحلته الموصومة بقبول الآثام كمسلمات أو ضرورة، لتحقيق أهدافه المادية والصعود عبر تلال الفساد إلى قمة النجاح.
قصة حياة رجل أعمال كبير بدأ حياته بين أطفال الشوارع حتى أصبح مليارديرًا، ثم تخلى عنه الحظ في لحظة ما عندما طاله غضب الكبار، ففتحوا ملفاته المسكوت عنها مع نيران من الاتهامات والجرائم، قتل، سلب، نهب، رشوة، فساد، استيلاء على أراضي الدولة، تهريب الآثار والاتجار بها، وألقوا به خلف القضبان، فمن يحاكم من؟
منذ طفولته وهو يعايش مكرهًا كل صنوف العذاب في الحياة، اسمه المثير لسخرية من حوله، أمه التي تخلت عنه، زوج أمه الذي مارس معه التعذيب بسبب ابنه المعتوه، أولاد الشوارع الذين حاولوا هتك عرضه، تولدت بقلبه الأخضر بقعة سوداء، اتسعت رقعتها يوما بعد يوم.
أي رحمة تبقت بقلبه وهو يرى عجوزا صاحب سُلطة يغتصب صبية قاصر، ويمنحه لقيمات ثمناً لصمته؟.. أي رحمة وهو يقف مجبرا على باب الرذيلة يحرسها مقابل جدران تأويه؟.. أي رحمة وهو يبيع عقله ويدخل الامتحان بدلاً من ابن البِك، مقابل جنيهات تضمن له الحياة؟
لكل شيء ثمن، هكذا فهم وقرر الانتقام من الجميع، حتى من حبه الوحيد وابنه المعاق في أميركا، خان، سرق، تاجر في كل ممنوع، وخلف القضبان وقف ليواجه جرائمه، وكانت الصدمة حين رأى وجه النائب العام يتلو التهم ضده، إنه صديق طفولته الذي تخلى عنه ذات يوم وتركه فريسة للمنحرفين.
ترى هل عاد اليوم ليقتص منه ويحاكمه عن تهمة الغدر والتخلي، أم سيصفح عنه ويلتمس له الأعذار عن كل ما كان؟ كيف كانت المواجهة؟، المحاكمة؟
وتحاور الكاتبة بطل الرواية لتواجهه بالحقيقة الصادمة التي يسير إليها فتقول: لماذا عليك الاعتياد على اللا معقول ومعاداة الفطرة السليمة قهراً، كلما اعتقدت أنك افلت من جبال الحزن والهوان إلى زاوية مشرقة من الحياة؟
تعود إلى أدارجك لتتقوقع داخل خطايا الآخرين، تسقط في غياهب الكراهية الحالكة مكبلاً بالعجز، موصوما بالصمت المتواطئ عن جرائمهم، نهشهم الوحشي لكل ما هو بريء يفقدك حتى متعة العزلة، يجبرك لتدخل أدمغة عالمهم الموبوء لتتهدد حياتك بالفشل.
لا أحد منهم يبالي بحجم خسائرك، ولن يهتم أحدهم بسقوطك أو ضياعك رغم أكذوبة أنهم يساندونك، أنت لست سوى ريشة ضعيفة في جناح طاووسهم الزاهي بمتعة الغرور والألوان، يمكن اقتلاعك ببساطة وهوان في أي لحظة إذا ما استشعروا خطر خروجك عما أرادوا، أنت لا تملك رفاهية الرفض، ولا أي سلاح للحرب، وستظل هكذا عبدًا ذليلًا لعاديّتهم، أو تدفن تحت التراب دون وداع من أحد، ولن تجد من يذرف لأجلك دمعة، ليس أمامك إلا أن تستسلم وتتغاضى، فلا يكون ذنبك أنك الوحيد المختلف عنهم، الهارب من شذوذ أفعالهم، تخلى عن دهشتك، فقد اعتادوا خطاياهم كشربة الماء دون استشعار الخوف لا من بشر ولا من عذابٍ يتوعدهم، اختم أفكارك المهمشة عن العالم المثالي في هذا السطر "تكون أو لا تكون" وتقدم دون ارتعاش أو تردد لتقتنص مستقبلك.
الرواية صادرة عن دار النخبة العربية للنشر والتوزيع، وجاءت في 186 صفحة من القطع المتوسط، تصميم الغلاف الفنانة فاطمه فايز، وشاركت به الكاتبة في معرض القاهرة للكتاب الدولي، ويعد هذا الإنتاج الأدبي رقم 12 للكاتبة، فقد سبق وصدر لها روايات ومجموعات قصصية، هي: مملكة العبيد - قلوب في طواحين الهواء- بائعة الورد- بلا رجال أفضل- كورونا في سوق البغاء- سر الرجل والكلب- لغز الحقيبة الزرقاء- لغز الجاسوس الأخرس- لغز الطائرة المخطوفة- الملكة والأفاعي- تعاويذ عاشق الدم.
|