القاهرة 07 مارس 2023 الساعة 10:11 ص

كتبت: نضال ممدوح
المرأة تنسى حبها القديم دائما عندما تقع في حب جديد.. كانت هذه إحدي مقولات الأديب محمود عباس العقاد، والذي رحل عن عالمنا في شهر من العام 1964.. في عددها الــ 392، والمنشور بتاريخ 3 فبراير من العام 1959، نشرت مجلة الكواكب، وقائع الندوة التي استضافت خلالها صاحب العبقريات العقاد، محرري المجلة والملحق الثقافي لسفارة باكستان.
ويستهل محرر الكواكب حديثه مشيرا إلى: لاحظت في كل مرة أزور فيها ندوة الأستاذ العقاد أن المرأة لا وجود لها بين الحاضرين، ولا سيرة لها بين ما يناقشه من موضوعات. قلت للأستاذ العقاد: هل تسمح لي بأن نناقش فلسفة غير فلسفة الأدب والشعر؟ فابتسم وقال: نناقش، في أي شيء تريد أن تتفلسف؟ قلت على الفور: في الحب. وكأنما قولي كان جريمة، إذ وجدت الوجوه من حولي تتجهم، وتحتقن إلا أن الأستاذ العقاد ابتسم وقال موجها الحديث للجميع: ماذا حدث؟ من كان منكم بلا حب. ولم يكد يكمل جملته حتي عادت الوجوه إلى الإشراق والابتسام، بعد أن رأوا رغبة من الأستاذ الكبير في التفلسف في الحب.
• فلسفة العقاد عن الحب
وحول سؤال وجه للعقاد عن إيمانه بالحب، قال العقاد: لو كنت قرأت كتابي "سارة" لعرفت كم كنت أعيش في الحب، وإلى أي مدي أؤمن به. ويتابع العقاد عن فشل حبه: نعم فشل حبي وانتهى، كما ينتهي كل شيء في هذه الحياة، وأنا أعتقد أن الحب الفاشل الحب الذي لم تكمل صورته، ولم يتم هو الحب الحقيقي. وهل يستطيع الإنسان أن يعيش بغير حب، لا تصدق، فالقلب هو القلب.
وعن أسطورة الحب الأول يضيف "العقاد": أنني أؤمن بالحب الأخير، أما الحب الأول فيصبح ذكريات وحنينا، وكما يقولون في القانون إن العقوبة الكبيرة تجب العقوبة الصغيرة، فالحب الأخير يطغى ويجب الحب الأول ولكنه يظل خيالا وذكري وحنينا.
• الحب العذري هو الحب الفاشل
وعن مدى إبمان العقاد بالحب العذري يضيف: الحب هو تفاعل نفساني بين شخصين مختلفين في الجنس، أي بين رجل وامرأة، فإنه لا يمكنك أن تسمي ما بين رجل ورجل آخر حبا، بل صداقة، فهذا التفاعل بين الرجل والمرأة، يجعلهما يشعران بأن كلا منهما شيء مهم بالنسبة للآخر، وما بين الرجل والمرأة هو شأنهما فقط، يصورانه كما يشاءان، حب ذوقي، حب جدي، حب روحي، ولكنني أعتقد أن الحب العذري، هو الحب الفاشل، الذي لم تكمل صورته، والناس دائما يخلطون بين الحب والصداقة، وأغلب الظن أنهم يعتبرون أنه إذا كانت هناك صداقة، فهي حب عذري، ومن رأيي أنه ليس هناك حب عذري على الإطلاق، فالحب أناني يحب التملك، وكل من الرجل والمرأة، يطلب أن يكون حبيبه، له، وله فقط، بروحه، وقلبه، وحسب. وإذا كان الحب منتهاه وأمله دائما الزواج، فهل يستطيع أن تقول إن هناك زواجا عذريا.
• هكذا يرى العقاد الحب من طرف واحد
ويمضي العقاد في حديثه حول الحب وفلسفته: الحب من طرف واحد لا يكون حبا، فكما قلت الحب تفاعل كيمياوي ونفساني بين شخصين مختلفين، فالحب يتطلب دائما أن يقابل بمثله. وأستطيع أن أسمي الحب من طرف واحد غراما. نعم فالغرام جائز أن ينطبق على غير الإنسان، أنت مغرم بالورود، أنت مغرم بالقمر، بالليل، بالطبيعة، مغرم بالنوم.
الرجل دائما الأكثر إخلاصا في الحب، والذي يدل أساسا على أن المرأة أقل في إخلاصها للحب، هو أن الحب عندها حاجة، فهي تحتاج للرجل ليحميها ويرعاها، وليجعلها دائما وأبدا في نشوة ويحلق بها في آفاق حالمة، فإذا فقدت هذه الحاجة، أو هذه النشوة، في الرجل، سرعان ما ترميه، وتبحث عن رجل آخر، يبعث إليها النشوة، ويحميها، ويرعاها، ويطير بها في عالم الأحلام، وإذا كانت هناك غاية وحاجة من وراء هذا الحب، فهذا ليس بإخلاصا بتاتا، والمرأة تنسى دائما حبها القديم عندما تقع في الحب من جديد.
• الحب هو الحب في كل عصر وأوان
وعن تطور مفهوم الحب، وهل يختلف من عصر لآخر، قال "العقاد": الحب هو الحب في كل عصر وآوان، فالقلب هو القلب، لم يكن قديما من الدم واللحم واليوم من البلاستيك مثلا، أو من الصفيح أو الورق، ولو أنك قرأت أشعار قيس وأشعار عمر بن ربيعة، فأنك لا بد أن تشعر أنهما يصوران الحب في هذه الأيام، كل ما في الأمر أن العادات تغيرت ودخلت المدنية، وانتشر التعليم والثقافة، وأصبح هناك اختلاط بين الجنسين، في العمل والمدارس والنوادي، وبعد أن كان الحب هما أصبح اليوم علنا، بعد أن كان في هدوء أصبح اليوم في ضجة في عهد الصواريخ.
• قلب العقاد يحب واحدة وجسده يسع أكثر من واحدة
وعن سؤال وجهه محرر الكواكب: هل يستطيع القلب أن يحب أكثر من واحدة؟، يجيب: نعم، ولكن بدرجات متفاوتة، وعواطف مختلفة، فأنا أحب هذه لأنها ممتعة، وهذه لأنها مؤنسة، وهذه لأنها تشاركني التفكير، ولكن هناك دائما واحدة يحبها القلب حبا حقيقيا، يفضله عن كل حب آخر. فالقلب في الحقيقة لا يسع إلا حب واحدة، ولو أن الجسد يستطيع أن يسع أكثر من ألف واحدة.
|