القاهرة 28 فبراير 2023 الساعة 06:02 م

بقلم: د. حسين عبد البصير
تعد منطقة سقارة من أهم المناطق الأثرية في مصر. وهي جبانة منف العاصمة عبر كل العصور التي مرت بها مصر القديمة. وتبعد عن القاهرة بحوالي أربعين كم. وجاء اسمها غالبًا من اسم معبود الجبانة "سوكر". وتعد سقارة بحق متحفًا مفتوحًا يضم بين جنباته معظم آثار التاريخ المصري. وتوجد في سقارة مقابر ملوك وكبار موظفي الأسرتين الأولى والثانية. كما تضم الهرم المدرج، أقدم بناء حجري ضخم في التاريخ، وبها أهرامات لأهم الملوك في الأسرتين الخامسة والسادسة؛ حيث يوجد هرم الملك أوناس، أو الملك ونيس، أول من نقش غرفة دفنه بـ"متون الأهرام"، أو "نصوص الأهرام"، والتي كان الهدف منها حماية وتأمين رحلة الملك في العالم الآخر.
وبالإضافة إلى مقابر الدولة القديمة الملكية، احتوت سقارة على مجموعة هائلة من مقابر كبار الأفراد من تلك الفترة، والتي زينت بمناظر ونقوش غاية في الروعة. وضمت بعض المقابر التي ترجع إلى عصر الانتقال الأول، ومقابر أفراد من الدولة الوسطى، ومقابر الدولة الحديثة. وتمثل مقابر الدولة الحديثة أسلوبًا معماريًا مختلفًا تمامًا عما كانت عليه مقابر طيبة أو الأقصر الحالية. ومن بين تلك المقابر في سقارة، توجد مقبرة حور محب قائد عام الجيش المصري. ويبدو أنه لم يُدفن بها؛ لأنه بعد اعتلائه عرش مصر، قام بنحت مقبرة له في وادي الملوك. في الأقصر. بالإضافة إلى ذلك، تضم سقارة آثارًا قبطية حيث نجد دير الأنبا أرميا، جنوب شرق المجموعة الهرمية للملك زوسر، والذي ظل في الخدمة إلى القرن العاشر الميلادي. وكذلك بها متحف المهندس العبقري إيمحتب، والذي يضم آثارًا رائعة من مختلف العصور، والتي تم اكتشافها في سقارة.
اكتشفت البعثة المشتركة مع المجلس الأعلى للآثار بجسر المدير بسقارة برئاسة الدكتور زاهي حواس عدة مقابر من نهاية الدولة القديمة. وتشير الاكتشافات إلى وجود جبانة ضخمة بها العديد من المقابر المهمة. وأول هذه المقابر هي مقبرة المدعو "خنوم جد إف". وكان يعمل مفتشًا على الموظفين، ومشرفًا على النبلاء، وكاهن المجموعة الهرمية لأوناس. والمقبرة ملونة وبها مناظر للحياة اليومية. والمقبرة الثانية للمدعو "مِري". وحمل ألقابًا عديدة مثل كاتم الأسرار، ومساعد قائد القصر العظيم.
وتم العثور على مقبرة أخري لكاهن المجموعة الهرمية لبيبي الأول. وعُثر على تسعة تماثيل من الحجر الجيري الملون، تمثل رجلاً بجواره زوجته، وتماثيل خدم وبعض التماثيل الفردية. ولم يعثر على أية نقوش تحدد اسم صاحب التماثيل. وبعد عدة شهور، تم العثور على باب وهمي، بجوار موقع التماثيل، يذكر أن صاحبه هو "مِسي"، وأن التماثيل من الأسرة الخامسة. وتخص التماثيل التسعة "مِسي". وتم العثور على تمثال لشخص يظهر واقفًا، وبجواره زوجته، تمسك بقدمه، وعلى الجانب الآخر تحمل ابنته أوزة.
كما تم العثور على بئر بعمق حوالي 15 مترًا. وأسفل البئر، عُثر على حجرة داخلها تابوت من الحجر الجيري للمدعو "حِكا شِبس". وعثر حول التابوت على العديد من الأواني الحجرية. وكان هذا التابوت مغلقًا، لم يُمس منذ حوالي 4300 عام. وعند فتح غطاء التابوت، عُثر على مومياء لرجل. وتعد أقدم مومياء غير ملكية يُعثر عليها إلى الآن. وهي مومياء كاملة مغطاة برقائق الذهب، وعلى رأس المومياء شريط مكسو بالذهب، وعلى الصدر أيضًا شريط آخر من الذهب. هذه هي المومياء الذهبية. وتم العثور أيضًا على بئر بعمق حوالي 10 أمتار، وبداخله مجموعة تماثيل خشبية.
وتم العثور على ثلاث تماثيل حجرية تمثل شخصًا واحدًا. هو القاضي، والكاتب "فِتك"، وبجواره مائدة قرابين، وأمامها تابوت داخله المومياء الخاصة به. وعُثر على مجموعة تماثيل رائعة من الدولة القديمة.
ومن المعروف أن منطقة سقارة أخرجت العديد من التماثيل في القرن الماضي. لكن لم يُعثر على تماثيل بهذا الحجم سابقًا. وعثرت البعثة على العديد من التمائم، وأدوات التجميل، وتماثيل المعبود بتاح سوكر، وتماثيل على هيئة معبودات، وأوانٍ فخارية ونذرية.
|