القاهرة 28 فبراير 2023 الساعة 05:57 م

كتبت: نضال ممدوح
حول العمارة والمدن الإسلامية، صدر عن دار المرايا للثقافة والفنون، كتاب جديد للمعماري دكتور نزار الصياد، أستاذ التخطيط وتاريخ العمران في جامعة كاليفورنيا، تحت عنوان "مدن وخلفاء .. عن نشأة وتطور العمران العربي الإسلام".
في هذا الكتاب يتتبع "الصياد"، نشأة العمارة والمدينة الإسلامية، من خلال العودة إلي كتابات المؤرخين العرب التاريخية التي كتبت أساسا عن تاريخ الخلفاء المسلمين وشخصياتهم لأنها: المصدر الرئيسي المتاح لدينا الذي مكننا من الكتابة عن التطور التاريخي للمدن وللأماكن في بلاد الإسلام.” بحد تعبير مؤلف الكتاب.
ويذهب رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة كاليفورنيا، نزار الصياد، إلي أن: يجب أن نعترف أن قصة بناء المدينة العربية الإسلامية لن تكتمل إلا بعد كتابة تاريخ وأحوال العامة من المسلمين في نفس الفترة.
-
الانتقال من الحاميات إلى المدن
ويوضح "الصياد" أن العرب في بداية غزوهم للمدن المحيطة بهم، رفضوا الاندماج مع سكان وشعوب هذه المدن، وبنوا خارجها حاميات عسكرية مثل البصرة والكوفة، تشبه إلى حد كبير المدينة المنورة أول مدينة يمكن أن تسمى مدينة عربية إسلامية.
كانت هذه المدن حاميات عسكرية مغلقة على العرب دون الشعوب التي غزوها، وقد نتج شكلها العمراني العام عن عملية تفاوض بين الخليفة في المدينة المنورة الذي كان مهتما بفرض المثل العليا الإسلامية للمجتمع وحاكم البلدة المنوط بالحكم المحلي.
كان التنظيم الداخلي لهذه المدن نتاج سلسلة أخرى من المفاوضات بين السكان والحاكم الذي عليه التعامل مع احتياجات السكان المحليين اليومية. مثل هذا الشكل المبكر لمدينة الحامية بعض المبادئ الإسلامية الممزوجة ببعض التقاليد القبلية للعرب البدو. وكلما نمت مثل هذه المدن تحدد شكلها العمراني بالإرادة الفردية لحاكمها أكثر من أي مبدأ ديني إسلامي أو منطق إداري محلي.
وفي نفس الوقت الذي تم فيه بناء مدن الحاميات العسكرية كان العرب يسيطرون على البلدات القائمة والقديمة الموجودة من زمن حضارات سابقة. يبدو أن تحول هذه البلدات التي كانت مدنا جيدة الأداء ومتطورة قبل الحكم الإسلامي قد اتبع نمطا مختلفا ومنتظما عما وضعه الخلفاء والأمراء لتحقيق أسلمة المدينة نسيجها العمراني.
غير أن التغيرات العمرانية التي أعقبت ذلك لم تكن ممثلة لأي أيديولوجية إسلامية بل كانت انعكاسا للطبيعة القبلية للعرب وتغير عقلياتهم عند احتكاكهم بالحضارات القديمة في المنطقة. عكست التغييرات في شكل المدن القائمة مثل دمشق وقرطبة إدراك الخلفاء العرب بأن بقاء وازدهار امبراطوريتهم الجديدة استلزم تشجيع بعض الممارسات غير الإسلامية مثل بناء النصب التذكارية والمباني التي تعبر عن إسراف زائد.
ويمضي "الصيا" لافتا إلى: ظهرت مدن عواصم الخلافة مثل القاهرة وبغداد نتيجة لرؤية ولأعمال مستقلة قام بها الخلفاء ومنفذو خططهم، ولكن لم تكن الأشكال العمرانية التي ابتدعوها تمثل أي نماذج تخطيط إسلامي أو عربي من ناحية المضمون أو الجوهر. فقد كانت هذه المدن عبارة عن تعابير رمزية عن السلطة الدينية والسياسية للخلفاء. وقد أدت أشكال هذه النوعية من المدن إلى ترسيخ مفهوم السلطة السياسية الدينية المجسدة في نظام الخلافة وفي شخص الخليفة.
ولكن يتضح أن المدينة الإسلامية النمطية ذات القصر المركزي والمسجد وأحياؤها، السكنية والأسواق ليست خيالا محضا فقد احتوت جميع المدن العربية الإسلامية فى مرحلة أو أخرى على عناصر من هذه الصورة النمطية. كان المسجد المركزي هو الأكثر شيوعا بين كل هذه العناصر، وكان لجميع المدن بغض النظر عن نوعها مسجد واحد فقط في مراحلها المبكرة، وقد حاول الخلفاء والأمراء الحفاظ على هذا المسجد الجامع باعتباره المكان الوحيد للصلاة العامة على حساب المساجد الصغيرة في الأحياء الخاصة بكل قبيلة، ولكن أدرك الخلفاء والأمراء مع نمو السكان وتطور الهيكل السياسي والإداري للمدينة أنه من مصلحتهم إنشاء مساجد أخرى، ويبدو أن هذا قد غير الأهمية البصرية والوظيفية لهذا المسجد الجامع المركزي.
|