القاهرة 28 فبراير 2023 الساعة 05:37 م

كتبت: فاطمة الزهراء بدوي
أحد أشهر أيقونات نجوم الضحك في مصر والوطن العربي، حققت أفلامه أعلى الإيرادات في تاريخ السينما المصرية، واشتهر ببساطته وتوظيف ملامح وجهه لإضحاك الجمهور، وتميز بتقديمه الكوميديا بشكل مختلف عما سبقه، وخلّد أعماله وبصماته الفنية في تاريخ الفن العربي، وباتت حياته محل اهتمام لمحبيه من الجماهير، وهو الوحيد بعد "ليلى مراد" الذي حملت افلامه اسمه الشخصي ليصبح "إسماعيل ياسين" ماركة مسجلة للإضحاك وجذب الجمهور لشباك التذاكر.
ولد إسماعيل ياسين في منتصف شهر سبتمبر من العام 1912 في ميدان الكسارة بمنطقة الغريب بالسويس، لأسرة ثرية عرفت بتجارة الذهب، وكان الابن الوحيد لأب ميسور الحال يعمل صائغًا، التحق بالكُتاب وحفظ بعض سور القرآن الكريم، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم التحق بالمدرسة الابتدائية حتى الصف الرابع الابتدائي. وتوفيت والدته وهو في سن صغيرة، فتزوج والده من سيدة أخرى تسببت في تراكم الديون عليه ومن ثم دخل السجن، وكان إسماعيل يتألم لذلك؛ فحاول البحث عن عمل ليبتعد عن بطش زوجة أبيه، فاضطر للعمل مناديًا أمام محل لبيع الأقمشة، ثم اضطر لترك المنزل، وعمل منادي سيارات بأحد المواقف بالسويس.
• التجربة الفنية
لم يكن طريق إسماعيل يس الذى وصل من خلاله لقمة شهرته ونجاحه ممهدا بالورود، ولكنه كان طريقا شاقا مليئا بالأحزان سواء في بدايته أو في نهايته. وخلال مشواره الفني قدم إسماعيل ياسين العديد من الأعمال الفنية سواء بالمسرح أو السينما. كان يعشق أغنيات الموسيقار محمد عبد الوهاب ويرددها منذ صغره، ويحلم بأن يكون مطربا منافسا له، وعندما بلغ 17 عاما اتجه إلى القاهرة في بداية الثلاثينات ليعمل صبيا في أحد المقاهي بشارع محمد على، ثم التحق بالعمل مع أشهر راقصات الأفراح الشعبية في ذلك الوقت، لكنه تركها لأنه لم يجد ما يكفيه من المال، ليعمل وكيلاً في مكتب أحد المحامين للبحث عن لقمة العيش.
لم يستطع إسماعيل يس أن يتنازل عن حلمه الفني فالتحق بفرقة بديعة مصابني، بعد أن اكتشفه شريك رحلة كفاحه الفنية المؤلف الكوميدي الكبير أبو السعود الإبياري، فكونا معا ثنائيا فنيا شهيرا، وانضم إلى فرقة بديعة ليلقي المونولوجات. كان يمتلك العديد من المواهب التي جعلت منه نجما من نجوم الاستعراض حيث إنه مطرب ومونولوجست وممثل، وحقق شهرة واسعة في مصر والعالم العربي وكان من أشهر نجوم الفن الذين يتهافت على أعمالهم ويعشقهم الجمهور المصري والعربي.
أكسبه إلقاء المونولوجات شهرةً فاختير لأول أدواره السينمائية في فيلم "خلف الحبايب" واشترك في التمثيل حتى عام 1946 في نحو 20 فيلما وتألق من بعدها بكل قوة، حتى إنه شارك في الفترة 1947-1960 بمتوسط يقارب الـ12 فيلما في العام الواحد.
• أعمال لا تنسى
نجح الكوميديان المبدع في أن يكون نجم الشباك الأول خلال 1952-1954، حيث كان معدل تمثيله 16 فيلما في العام الواحد، الرقم الاستثنائي الذي لم يصل إليه أي ممثل آخر، ما أدى إلى تهافت المنتجين عليه وكوّن في 1954 "فرقة إسماعيل يس المسرحية"، مع توأمه الفني أبو السعود الإبياري، مع تقديم قرابة 50 مسرحية كوميدية من تأليف الإبياري وبطولة ياسين، وظلت الفرقة تعمل على مدار 12 عاما. شارك ياسين في التمثيل مع عدد من مشاهير الفنانين منهم: زهرة العلا، شادية، عبد المنعم إبراهيم، عبد الفتاح القصري، رياض القصبجي، عبد السلام النابلسي، أحمد رمزي، وكمال الشناوي.
شارك إجمالاً في تمثيل 234 فيلما سينمائيا. حيث بدأ في 1955 سلسلة الأفلام التي حمل العديد منها اسمه على "أفيشها"، مثل: إسماعيل يس في البوليس، إسماعيل يس في الجيش، إسماعيل يس في الأسطول، عفريتة إسماعيل يس، إسماعيل يس في متحف الشمع، إسماعيل يس في مستشفى المجانين.. إلخ. وقدم خلال مشواره الفني المئات من الأعمال الفنية التي تنوعت ما بين المسرح والسينما والإذاعة.
• أزمات أدت إلى الوفاة
كان نجمنا يسمى "المضحك الحزين"، فرغم أن أفلامه أضحكت الملايين من الأجيال المتعاقبة فإنه كان يعيش حزينا، خاصةً في أواخر عمره مع انحسار الأضواء عنه وتعرضه للعديد من الأزمات المادية. وفي أوائل الخمسينيات، تعرض الفنان الراحل لموقف صعب بعد أن أصدر الملك فاروق قرارا بإدخاله مستشفى الأمراض العقلية، حيث كان يؤدي منولوجا أمام الملك فاروق، وقال: "مرة كان في واحد مجنون زي حضرتك"، فثار الملك ورد غاضباً: "أنت بتقول إيه يا مجنون؟" فحاول إسماعيل الخروج من الموقف بالتظاهر بالإغماء، فسقط مغشيا عليه بالفعل لينجو من غضبه.
بعدها أرسل الملك فاروق طبيبه الخاص لفحص الفنان الراحل، واستوعب الطبيب ما حدث، فكتب تقريرا للملك فاروق أكد فيه أن الفنان إسماعيل يس تعرض لحالة عصبية سيئة دفعته ليقول ذلك، وهي ما جعلته يفقد الوعي مؤقتا. ويبدو أن تقرير الطبيب وإن كان يحاول إنقاذه، إلا أنه تسبب في إدخاله في مستشفى الأمراض العقلية، حيث أمر الملك فاروق بعلاجه في المستشفى، ومكث فيها لمدة 10 أيام.
وفي عام 1961 أصيب الفنان بمرض القلب، ما أدى إلى تقليل عمله في السينما والمسرح، إضافةً إلى سيطرة الدولة على الإنتاج السينمائي، فلم يشارك إلا في سبعة أفلام فقط حتى 1965.
زاد من أزمته تراكم الضرائب عليه، وبيعت عمارته التي بناها من جهده وعرقه أمام عينيه، وكان لا يستطيع حتى دفع إيجار الشقة التي انتقل إليها بعد بيعها، فاضطر إلى حل فرقته المسرحية عام 1966، ثم سافر إلى لبنان ليعمل في بعض الأعمال الفنية البسيطة، لكنه عاد بعدها إلى مصر محطما يائسا بعد أن أرهقه مرض ''النقرس". وتوفي إسماعيل ياسين فقيرا حزينا في 24 مايو 1972 إثر تعرضه لأزمة قلبية حادة، قبل أن يستكمل تمثيل دوره الأخير والصغير في فيلم من بطولة نور الشريف، تاركا رصيدا فنيا قارب الـ250 عملا فنيا.
|