القاهرة 21 فبراير 2023 الساعة 12:46 م

قراءة: حاتم عبد الهادي السيد
المسرح فن كتابي عريق، وهو فن مقروء ومرئي، وفي كتابه "فن كتابة الدراما للمسرح والإذاعة والتلفزيون"، الصادر عن دار الكندي للنشر والتوزيع 1999، يقدم لنا الدكتور منصور نعمان عناصر النص الدرامي وكيفية كتابة مسرحية أو نص درامي معاصر؛ كما يقدم الكتاب العديد من الرؤى والنماذج التطبيقية لمسرحيات قديمة وحديثة؛ وهو من أهم كتب المسرح في مصر.
ولنا أن نعرض لبعض رؤي الكتاب ونبسطها للقارئ الذي يريد التعرف إلى هذا اللون الإبداعي الجميل..
• عناصر النص الدرامي:
هناك عناصر للدراما؛ حيث يحتوي أي نص درامي: مسرحي، إذاعي، تلفزيوني علي عدة عناصر تسهم في التأثير علي الهدف المراد بلوغه، ودرجته المختلفة، وصولًا إلي القيم المُتعددة : الجمالية، العاطفية ،الفكرية، ومن هنا فإن المؤلف منوط بالانتباه إلى عناصر النص الدرامي، وإعطائها الأهمية اللازمة وهي : الفكرة، الحبكة، الشخصية، الحوار، الجو النفسي العام، كما توجد عناصر تكميلية وجب الاهتمام بها مثل : الزمان، المكان، الأزياء، المكياج، الأدوات، المؤثرات الصوتية والموسيقية، وغيرها.
وليست هذه العناصر هي كل ما يحتاجه النص، فهناك عناصر ترافق النص الذي سيعرض علي خشبة المسرح، وتقع تبعتها علي المخرج وفنان السينوغرافيا، مثل الحركة والتكوين وغيرها، وتختلف أهمية هذه العناصر باختلاف المؤلف من جهة، وباختلاف طبيعة الأداة المسرحية أو الإذاعية أو التلفزيونية التي تقدم من خلالها. ولنا في السطور التالية أن نركز علي الحبكة باعتبارها المركز الذي يوجه الفكرة، أو يوجه سيمترية الأحداث، وإن كانت الحبكة لا تظهر مثل باقي عناصر النص الدرامي، فهي الجزء غير الملموس في العمل الدرامي، أو هي الأكثر خفاء، وتظل متوارية ولا يمكن ادراكها إلا عقليًا، علي الرغم من حيويتها وتأثيرها في كل العناصر، وهي كما وصفها " أرسطو" : " بمثابة الروح من الجسد "، لذا فإن تعريفها لا يخلو من صعوبة، نظرًا لطبيعة خفائها خلف ظاهر الأحداث والعناصر الدرامية الأخرى.
• تعريف الحبكة:
هي عملية تنظيم أو ترتيب أو تخطيط مُنظم، يُقصد من خلالها المؤلف تشكيل وحدة التأثير علي المُتلقي، وتظل كل امكانات الحبكة وفاعليتها في رَصِّها وتتابعها للمًشاهد المُتعددة، إنما تتخذ من وحدة الفعل أو الحدث، الذي أشار إليه أرسطو، أساسًا لها، بوصف الدراما فن التكثيف والضغط والرص واللملمة إلي أقصي الحدود الممكنة، وما الفعل أو الحدث إلا وجهًا آخر من الحبكة "
• علاقة الحدث والفعل بالحبكة:
يمثل الحدث منذ بدايته نقطة انطلاق مركزية تحتوي من خلالها كل ما يصادفها لتنضوي كل الأحداث والأفعال للشخصيات والمواقف تحت لواء الحدث أو الفعل، فكل ما يقع في الماضي أو المستقبل، هو صورة للحدث المندفع لقوة كموج البحر الهادر الذي يبحث في النهاية عن حد ينتهي إليه، لذا فان العلاقة ترابطية بين الحدث والحبكة، وكل حدث أو فعل يصنعان حبكة، كما أن الحبكة هي نتيجة الأحداث والأفعال التي تتأزم، وتصل إلى ذروتها كذلك.
• مكونات الحدث أو الفعل ودورهما في النص الدرامي:
يؤكد أرسطو أن الحدث يتكون من: بداية ووسط ونهاية، ولابد أن تكون البداية فارقة، وغير مسبوقة لأنها تشكل مرتكزات النص الدرامي، القابل للتشكيل والتطوير -طوال الوقت- وهذه البداية تلغي التسلسل الزمني للأحداث، وتخلق في ذات الوقت تسلسلًا منطقيًا، سببيًا، فالعلة تحلق معلولًا لتتعاقب الأحداث كمسبب، يعقبه نتيجة معلولة، وهي في الوقت ذاته علة جديدة لحدث لاحق. وما يهمنا هو هو البداية القوية المغايرة للتأسيس لانطلاقة الحدث الدرامي، وتسمي بداية الحدث " الوضعية "، وهي التي ترتكز عليها الأساس الأول لتشكيل النص، وإعطائه القيمة العالية، والحركية الفاعلة والمتفاعلة، وهذه الوضعية تمثل البداية الأولى للنص الدرامي التغايري، والمفارق، والجميل أيضًا.
• الوضعية وتأثيرها في الحبكة والمسرحيات المعاصرة:
يُطلق علي بداية النص مصطلح ( الوضعية) وهي أحد عناصر بنية النص الدرامي، وتتميز بأنها : متغيرة، ومختلفة من مؤلف إلي آخر، ومن حقبة زمنية إلي أخرى، فلو استذكرنا "الوضعية" في المسرح الإغريقي في مسرحية "أوديب ملكًا، لسوفوكليس سنجد "الطاعون" الذي أصاب المدينة يدفع أوديب -ملك مدينة طيبة- لأن يبحث في ايجاد حل للكارثة، ومعه "الجوقة" وهم الشعب، و"تريساياس"، الذي يمثل القوة الدينية، حيث يتوصل الجميع إلي أن سبب المشكلة هو قاتل الملك "لايوس" الطليق، ولقد نادوا جميعًا بمعاقبته، كي يذهب عنهم غضب الآلهة، بالقصاص من قاتل لايوس، وليختف الطاعون .
ولعل ترتيب الأحداث قد وَلَّدَ طاقة لاندفاع الحدث بقوة، لتتعقد المشكلة، ويتم حلها في النهاية، وهذه الوضعية في تسلسل الأحداث وتراتبها قد أضاءت جوانب المشكلة، ليتم حل العقدة، أو تنامي الحبكة في النهاية.
وهذه الوضعية نراها تختلف في مسرحية "هاملت " لشكسبير، إذ الحدث لا ينطلق إلا من المشهد الثالث من الفصل الأول.
وفي المسرح الحديث نري اختلافًا كذلك، فمسرحية "بيت الدمية " على سبيل المثال لمؤلفها "إبسن"، تبرز شخصية "نورا" كشخصية مركزية لكل الشخصيات المحيطة بها، فالكل ينظر إليها -حتى زوجها- علي أنها دمية في المنزل، إلا أنها في النهاية "تحولت إلي شخصية قوية، عن طريق رفضها: "بصفعة الباب المدوية" في وجه الجميع، وبالتالي تحولت شخصيتها إلي شخصية قوية، وتقزمت خلفها كل شخصيات الرواية، ويعزي ذلك إلي "وضعية البداية" وتنامي الحبكة، وتسلسل الأحداث، فنورا التي صفقت الباب بقوة مدوية قد ناظرها في الواثع صفعة موجهة إلي المجتمع، وإلي خراب العالم كذلك .
• الوضعية في المسرحية العبثية:
تنطلق "الوضعية" -بداية المسرحية- في المسرحية العبثية؛ لتصور الموضوع، ويمكن أن نلاحظ ذلك في مسرحية " الخرتيت " للمؤلف " يوجين يونسكو "عبر فكرة تحول البشر إلي خراتيت، حيث غرابة الصورة تُجسد الجو العام للمسرحية، وهي علي النقيض من مسرحية " في انتظار كودوت " للمؤلف " صموئيل بيكيت " فمسألة قذف البطلين في مكان مجهول الهوية، ليظلا ينتظران كودوت، هي الوضعية المغايرة، حيث فعل الانتظار ذاته يمثل وضعية مغايرة.
وتختلف هذه الوضعية كذلك في مسرحية "قصة حديقة الحيوان" لمؤلفها "إدورد أولبي"، حيث مثل احتكاك البطلين الغريبين مع بعضهما في مكان عام الوضعية المتباينة، فكانت النهاية مقتل إحداهما، بينما لاذ الآخر بالفرار.
وهنا تظهر أمور لتكسر بنية الحدث بصفة مستمرة، فهي تعمق الحدث، أو تضيء مكانًا وزاوية فيه، حيث تتكون بنية النص هنا من مستويين: إحداهما ظاهري، والآخر خفي. فالأول يبدو الحدث مهمشًا، بينما يظل الآخر باطنيًا، ومرصوصًا ومضغوطًا، أو يمثل التكثيف الدرامي، الذي تحدث عنه أرسطو من قبل.
وفي النهاية: تحوي الحبكة ضمنيًا فاعلية الفعل أو الحدث الدرامي، وتحديد نقطة الانطلاق فيه. لذا من أراد أن يؤلف مسرحية أو يكتب سيناريو، فعليه -بداية- أن يهيأ الموضوع في ذهنه، أو علي الورق، وعليه أن يسرح ويتأمل بخياله، فيتخيل تصورًا للأحداث ونهايتها، والبداية "الوضعية" -القوية والمختلفة- هي أهم نقطة تأسيسية أولى، لأنها ستحدد بنية النص المرتبطة عضويًا بالحبكة الواضحة المعالم، والمؤثرة، والتي ستزيد من تدفق الحدث، بأقصى طاقة ممكنة.
تظل الحبكة هي المحرك للأحداث بداية من الوضعية المغايرة، حتى تأزم الحدث، وتجيء الحبكة لتمثل النهاية المنطقية الجادة لأي نص درامي جاد، وعظيم.
|