القاهرة 19 فبراير 2023 الساعة 11:18 م

كتبت: إنجي عبد المنعم
تحت شعار "طه حسين.. مشروعا للمستقبل"، وبمناسبة مرور 50 عاما على وفاة عميد الأدب العربي، نظمت مؤسسة الدكتور جمال شيحة للتعليم والثقافة والتنمية المستدامة، ضمن فعاليات برنامجها الثقافي 2023، لقاءً ثقافيًا على جلستين.
وجاءت اللقاء الأول بعنوان «طه حسين والبحرمتوسطية.. طه حسين مشروعاً للمستقبل»، بحضور الدكتور جمال شيحة رئيس مجلس أمناء مؤسسة جمال شيحة ومقرر لجنة التعليم والبحث العلمي بالحوار الوطني، والدكتور محمد عفيفي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة، والكاتب الصحفي مصطفي طاهر محرر الشؤون الثقافية والفنية ببوابة الأهرام، وحسن غزالي مؤسس مشروع بذور ومنسق عام مشروع طه حسين، ونخبة من القيادات الشبابية والكوادر الطلابية من طلاب كليات الآداب والفنون الجميلة والألسن واللغات والترجمة والتجارة وكلية العلوم السياسية، والاعلام.
وافتتح الدكتور جمال شيحة البرنامج الثقافي "طه حسين مشروعا للمستقبل"، وقال إن المؤسسة ترى في نموذج طه حسين مُفكرا ثوريا، رمزا للتنوير ومشروعا للمستقبل، لافتا إلى إيمان المؤسسة الشديد بضرورة تمجيد وإجلال أساتذتنا وعلمائنا ومفكرينا وقادتنا لإنعاش الذاكرة الوطنية ومدى ارتباط مستقبل مصر الحقيقي بإحياء إرث هؤلاء الآباء المؤسسين لضروب الحضارة الإنسانية، مؤكداً أنه لابناء، ولا تنمية إلا بإحداث طفرة حقيقية في زوايا ثلاثة هم الثقافة والتعليم والبحث العلمي.
مضيفا أن أهداف المؤسسة تتلاقى مع فكر طه حسين الذي لم يكن مجرد أستاذ جامعي بل كان يصنع الأفكار التي تصنع مجتمعا جديدا، مُشيرا أن المؤسسة رأت أنه من أجل صناعة فارق بالغ التأثير وخلق قيمة مضافة حقيقية لابد وأن نُحيي ذكراه لمدة عام كامل تزامنا مع ذكرى وفاته الخمسين، وليس مجرد احتفال صغير في شهر أكتوبر، لنتمكن من إحياء إرثه ونشر وترسيخ وتعزيز أفكاره التنويرية من خلال ندوات، وورش عمل وفعاليات ثقافية، وحلقات نقاشية شبه أسبوعية على مدار العام.
وأردف "شيحة" موضحا أن مشروع طه حسين تأتي أهميته من الحاجة الماسة لآلية نواجه بها ما تعاني مصر والمنطقة العربية من أزمة على مستوى الفكر، إلى جانب حاجة مجتمعاتنا الشديدة لأفكار صانعة لغدِ أفصل، ولجيل واع، ولمنهجية ورؤية فكرية وتنويرية، لافتا أن هذا ماتعمل المؤسسة علي تعزيزه وترسيخه وبنائه في العقول وبين الأوساط الجماهيرية ولاسيما بين طلاب الجامعات تلك النواه التي تُعدها المؤسسة لمجتمع متحضر من خلال إعداد مثقف عضوي حقيقي، ومُعلم مؤهل جيدا باعتبارهما صانعي التغير في الأوطان.
وفي بداية حديثه أعرب الدكتور "محمد عفيفي" عن إعجابه بمجال عمل مؤسسة شيحة وارتباط ثلاثية عملها (الثقافة والتعليم والتنمية المستدامة) بأفكار طه حسين ومشروعه، واهتمامها بالفكر وتعزيزها للحوار الثقافي كما أثنى علي اختيار نموذج «العميد» للاحتفال به كرمز ثقافي مهم، مشيرا إلى ضرورة تعزيز مفهوم القومية المصرية بمشروع قومي قائم على الثقافة والتعليم باعتبارهما أساسا للقومية المصرية وسلاحين نافذين للقضاء على الارهاب والجهل.
مُشيرا إلى ضرورة أخذ كتاب مستقبل الثقافة في مصر بعين الاعتبار عند تناول قضايا التعليم والتطوير، لافتا إلى أن طه حسين لم يتحدث في كتابه عن الثقافة بمفهومها الضيق، وإنما المفهوم الأوسع للثقافة، والتي تشمل الثقافة والتعليم، موضحا كيف أن الكتاب يُعد موسوعة شاملة استطاعت أن تستشرف مستقبل التعليم في مصر وقدمت سُبل إصلاحه.
و تطرق «عفيفي» إلى الأبعاد الاستراتيجية التي تحدث عنها الدكتور جمال حمدان في مؤلفه "شخصية مصر"، وتناوله للبعد المتوسطي، وربط ذلك بطرح طه حسين في كتابه مستقبل الثقافة في مصر مشروع التعليم والثقافة في مصر، وتناوله للدائرة المتوسطية، موضحا أن طه حسين أكد على حقيقة أن العقل المصري لا يقل عن العقل الأوروبي، لافتا إلى أن معركة مصر حضارية وعلينا أن نلحق بالغرب لأننا لا نقل عنه في شيء.
كما تناول "عفيفي" مفهوم القومية المصرية مؤكدا أنها لا يمكن تعزيزها إلا بمشروع قومي قائم على الثقافة والتعليم باعتبارهما أساسا للقومية المصرية وسلاحين نافذين للقضاء على الارهاب والجهل، لافتا إلى الدور الحيوي الذي يمكن أن تلعبه الأنشطة التثقيفية في المدارس من الارتقاء باخلاقيات الطلاب، وتهذيب سلوكهم، وتحسين ذوقهم فنيا وأدبيا الأمر الذي سينعكس بالضرورة على ردود فعلهم وأفعالهم في محيط تأثيرهم، وأضاف قائلاً "أبدا لا تجد طالبا يعزف موسيقى ويحمل السلاح".
وأعرب الكاتب الصحفي مصطفى طاهر عن تطلعاته إلى بذل المزيد من الجهد في الاستثمار في الإرث الثقافي لأدبائنا ومفكرينا ورموز الفكر والثقافة من الكتاب العرب، لافتاً أنهم هم صانعو التغيير الحقيقي على مر التاريخ، والذين من بينهم رائد الفكر والتنوير في الوطن العربي طه حسين، الذي ما أن يُذكر اسمه إلا تذكر قضيتي الثقافة والتعليم، وماقدمه من سُبل وأفكار ومشروعات ومقترحات لاصلاحهما.
واختتم الباحث حسن غزالي مؤسس مشروع بذور للتعليم الموازي ومنسق عام البرنامج الثقافي "طه حسين مشروعا للمستقبل" مؤكدا أن حرص مؤسسة شيحة على انطلاق أولى فعاليات البرنامج من مقر النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر جاء انطلاقا من الرمزية الثقافية لهذا المكان العريق واشارة لأهمية الحدث، وبداية معنوية تلفت إلى الدور الحيوي الذي من المتوقع أن يلعبه مشروع طه حسين في المجال الثقافي والفكري في مصر خلال هذا العام.
وجاءت الندوة الثانية بعنوان: (طه حسين .. نظرة منصفة)، بحضور الدكتور سامي نصار عميد كلية الإنسانيات والعلوم الاجتماعية بجامعة بدر، والدكتور جمال شيحة، والكاتب الصحفي وائل لطفي رئيس تحرير جريدة الدستور، والكاتب الصحفي مصطفى طاهر محرر الشؤون الثقافية والفنية ببوابة الأهرام، واختتم اللقاء المطرب أحمد إسماعيل بفقرة فنية متميزة.
وأشار الدكتور شيحة إلى أن رسالة ورؤية بل وشعار مؤسسة شيحة تتجسَّد كُليا في شخصية طه حسين وترى فيه مشروعا للمستقبل، كونه رمزا للتحدى والنجاح وإعمال العقل من أجل التغير والتنمية، مؤكدا على ضرورة أن تكون "الجامعات جامعات" أي تكون مراكز للبحث العلمى بحرية مطلقة وبتمويل جيد وليست مجرد مدارس تقوم على التلقين والكم، لافتا أن هذا هو الأمر الذي لطالما ناضل من أجله العميد، واليوم تجدده المؤسسة من خلال برنامجها الثقافي "طه حسين مشروعا للمستقبل".
وأكد "شيحة" أن الجيل الحالي لديه تحد وجودي وليس تحديا تقدميا، هذا التحدي لا يحدث إلا كل عشرات السنين بسبب حالة الفوضى التى يمر بها العالم حاليا من أحداث متسارعة أثرت بشكل سلبي على الأمم والشعوب وبينها مصر، كما أن عميد الادب العربي الدكتور طه حسين قصة تحد كبيرة لأنه لم يستسلم لحالة الفقر التى نشأ فيها فضلا عن فقدانه البصر مبكرا، ولم يكن مجرد فرد وانتهى ولكنه واجه التحدى فتحول لشخصية عالمية ومن أجل ذلك مازلنا نجد فيه الحل للمعادلة الصعبة لمشكلة المستقبل والرمز الذى يصلح بعد خمسين عاما من الوفاة مشروعا للمستقبل.
وأكد د. شيحة أن الدكتور طه حسين أثناء توليه مستشار وزير التعليم فى الثلاثينيات عمل على إلزامية التعليم الابتدائي وعندما عرضت عليه وزارة التعليم اشترط الموافقة أولا على أن يكون التعليم الإعدادى مجانيا، وهذا ما سارت عليه ثورة يوليو 1952 التى كرمته علي جهوده وهو الذى قال إن الثورة أكملت حلمه بديمقراطية التعليم.
وأشار "شيحة" إلى رؤية طه حسين أن تكون الجامعات جامعات حقيقية ومراكز للبحث لديها الحرية المطلقة فى البحث العلمى والفكر المفتوح، هذه الرؤية تكفل لمصر إذا تحققت أن تتحول إلى دولة عظمى خلال عقد واحد من الزمان، كما أكد أن التعليم يحتاج إلى قرار سياسي لكى تخرج مصر من كبوتها، وكل مشاكل التعليم ما قبل الجامعى معروفة وحلولها موجودة وتحتاج فقط إلى قرار وهذا ما ندعو إليه من خلال التوعية ، فلسنا فى حاجة إلي عباقرة الاقتصاد ولكن فى حاجة لمن يضع التعليم رقم واحد فى خطط نهضة مصر ويضع له الميزانيات المناسبة.
وفي مُستهَّل حديثة أشار الكاتب الصحفى وائل لطفي أن تبني مؤسسة جمال شيحة للتعليم والثقافة والتنمية المستدامة الاحتفال بمرور 50 عاما على رحيل عميد الادب العربي طه حسين هى مبادرة نموذجية لما يتمتع به فى الوجدان الثقافى العربي بالكثير من الاهتمام من جانب المهتمين بالحالة الثقافية العربية التى أثارها عميد الأدب العربي خلال حياته ولازالت مستمرة الفوران حتى الآن وربما تستمر لمئات السنين فى المستقبل.
وسرد لطفي مسيرة حياة عميد الأدب العربي طه حسين، مذكرا بطموحه وكفاحه وثوريته ومنهجيته ومبادئه التي آمن بها وناضل من أجلها والمعارك التي خاضها من أجل التنوير والتغير، ومن أجل مجانية التعليم، وزواجه سوزان بريسو الفرنسية التي ساندته طيلة حياته وساعدته على الإطلاع أكثر فأكثر باللغة الفرنسية واللاتينية، لافتا أن من يتأمل حياة طه حسين يجد فيها رسائل متعددة علي المستوى الإنسانى والإنجاز المعرفى وديَّن يُطوق أعناق كل المصريين، هذا الرجل الذى رفع شعار "مجانية التعليم" وهو أول من نبه النخبة الحاكمة لضرورة مجانية التعليم بجميع مراحله وصولاً للتعليم الجامعى لكل المصريين.
وفي سياق متصل شدد الدكتور سامي نصار على أهمية أن يكون الفرد حرًا في اختياراته وعقلانيًا في تفكيره، وأن لا يُسلم بأي شيء مهما كان مصدره دون أن ينقد ويسأل ويُحلل، مستشهدا في حديثه بنموذج طه حسين الذي تبنى مذهب ديكارت "الشك" ومبدأ (أنا أشك إذا أنا أفكر إذا أنا موجود)، مؤكدا مقولة "أنا لا أدخل عقلي إلا ما هو واضح ومتميز من الأفكار".
كما لفت د. نصار خلال حديثه إلى كتاب «مستقبل الثقافة في مصر» لطه حسين واصفا الكتاب بأن من يقرأه فكأنما وضع يده على منبع وأساس الثقافة الحديثة بمفهومها الاشمل، وأن من يقرأ هذا الكتاب سيرى كيف أنه سبق عصره فهو يقودنا فى الكتاب إلى ثورة العلم والتكنولوجيا التى نراها تتدفق الآن فى شكل الثورة الرابعة والخامسة التكنولوجية.
واضاف أن طه حسين أول من دافع عن مجانية التعليم مع نجيب الهلالي باشا رغم الصعاب التى واجهها الاثنان من أجل أن نصل إلى ما نحن فيه الآن رغم ما تعرضت له العمية التعليمية من تشوهات عديدة.
واختتمت الفعاليات بفقرة فنية متميزة للمطرب أحمد إسماعيل الذي قدم عدة أغان مرتبطة بالقضايا المجتمعية، مقدما تجارب السبعينيات الرائدة بأغانيها الوطنية مثل «قهوة البوسطة» و«لو بس القمرة تبان» و«يا رايح طوخ» و«ولي النعم».



|