القاهرة 27 يناير 2023 الساعة 12:31 م

كتبت: سماح ممدوح حسن
استضاف معرض القاهرة الدولي للكتاب في أول أيامه عدة ندوات مهمة من بينها الندوة التي تناولت شخصية شيخ الآثاريين أحمد باشا كمال بقاعة "الصالون الثقافي" بحضور الدكتور طارق توفيق أستاذ الآثار بجامعة القاهرة، والمشرف العام السابق على مشروع المتحف المصري الكبير، والدكتور ميسرة حسين نائب الرئيس التنفيذي للمتحف القومي للحضارة المصرية، وأدار الندوة الباحث محمود أنور.
وفي كلمة الدكتور ميسرة قال: إن الحديث عن أحمد باشا كمال متشعب، فالبعض يقول إنه لا علاقة بين السياسة والآثار، لكن فى الحقيقة بدأ الصراع مع بدء علم الآثار في عام 1928، بعدما فك شامبليون رموز حجر رشيد. إن تلك الفترة فى تاريخ أوروبا كانت تموج بالنظرة الاستعمارية وخاصة فرنسا، فقد كان لتأثير مدرسة "سان سيمون" في التفكير والاقتناع بالمساواة في الرقي والتعليم والفكر، على عكس النظرية الإنجليزية. ولكي يحقق الفرنسيون هذه النظرية بحثوا عن دول عدة تمتلك المقومات التي تؤهلها لاستيعاب وتنفيذ هذه النظرية ولا بد أن تتوفر فيها مقومات خاصة مثل الثروات الطبيعية الموقع المتميز والتاريخ العريق، ومن بين أقوى الدول المرشحة والتى يتوافر فيها كل تلك الشروط كانت مصر.
وعليه فكانت الحملة الفرنسية التى جاءت بالجيش والعلماء معا لتطبيق نظرية سان سيمون. وكان كتاب"وصف مصر" هو الإنتاج الفكرى الأهم بعد جلاء الحملة عن مصر، فكانت الموسوعة بمثابة التقرير الذى وجّه اهتمام العلماء والعالم لمصر. وبعد تولية محمد على باشا أعادت أوروبا أطماعها فى مصر، وجاء الهوس بمصر اجتماعيا وسياسيا وماديا. وفي الفترة السابقة لتلك الفترة هرّب قناصل الدول الأوروبية العديد من الكنوز الأثرية المهمة إلى بلادهم مستغلين جهل المصريين بقيمة الآثار وعدم وجود قوانين تحميها.
فأرسل محمد علي، ستة طلاب في تلك الفترة إلى أوروبا على رأسهم رفاعة الطهطاوي ويوسف ضياء، لدراسة الآثار والتاريخ. عاد اثنان من هؤلاء الطلاب بفكرة ضرورة إنشاء متحف وبالفعل نفذها محمد على لوقف نهب الآثار وأنشيء أول متحف 1831 فى منطقة الأزبكية برئاسة يوسف ضياء، لكن بقية العاملين بالمتحف كانوا لا يعلمون أى شيء عن الآثار والتى كانت علما جديدا حينها فقط هم يحرسون ممتلكات.
لكن قبل الوصول لمرحلة إنشاء متحف عملت السلطة الأجنبية فى مصر بكل قوتها لمنع تدريس أو تعليم أى شخص مصر أى معلومة عن الآثار المصرية وذلك حتى لا يعلموا قيمة الكنوز المنهوبة، حتى أنهم استصدروا فتوى شرعية بحرمة تعلّم ودراسة الآثار. لكن ذكاء أحمد باشا كمال هو ما أوصله رغم كل التضييق من السلطة الاستعمارية إلى أن يعمل فى ذلك المتحف بداية كموظف وظل يعمل فيه أربع سنوات، وفى تلك الفترة قام بتنفيذ أهم الحفائر فى مصر الوسطى والتى كانت السلطة الاستعمارية تظن أنها أفقر من غيرها أو غير مهمة.
لكن نجح حينها أحمد باشا كمال فى اكتشاف حفائر منطقة هوارة فى الفيوم 1874، وتولى هو رئاسة بعثة التنقيب هذه بعد انتحار رئيسها "لويجه برزيتى" ايضا اكتشف لوحات الفيوم. ومن أهم اكتشافاته حفائر الدير البحري، وحينها كانت عائلة "عبد الرسول" التى تنقب وتستخرج وتبيع الآثار في أوج نشاطها لكنه استطاع حماية الكنز منهم وتولى نقله إلى القاهرة.
لكن عمله الأهم هو وضعه للقاموس الأعظم للغة المصرية القديمة. وبما أنه كان يؤمن أن اللغات السامية كلها تحمل ذات الجذر اللغوي وأن اللغات المصرية القديمة تتشابه باللغة العربية، وضع قاموس اللغة المصرية بنفس قواعد اللغة العربية وهو ما لم يعجب القوى الاستعمارية حينها فمنعوا طباعة وصدور هذا القاموس، وهو الجرم الذى ارتكبوه في حق الآثار المصرية. وكان القاموس يحتوى على 12730 كلمة فى 22 جزء.
ايضا من أهم انجازاته إنشاء مدرسة تعليم الآثار فى مدرسة المعلمين والتى أخرجت لنا، رغم تخريج دفعة واحدة، أهم الأثريين المصريين من ضمنهم "سليم حسن".
رغم كل الإنجازات التى قام بها شيخ الآثاريين أحمد باشا كمال إلا أن الكثير من هذه الإنجازات نسبت لغيره، وواجب علينا التوعية بصاحب هذه الإنجازات الحقيقي. أيضا توجد محاولات الآن لطبعة القاموس الذى وضعه شيخ الآثاريين ربما تتمخض في القريب عن أكبر قاموس للغة المصرية القديمة.

|