القاهرة 07 ديسمبر 2022 الساعة 03:58 م
كتب: أحمد محمد صلاح
كان الذهن في الدولة الإسلامية متفتحا، ويستطيع أن يستمد الكثير من المعارف في بوتقته، فيقوم بصهرها، ثم يلفظ ما يرفضه، ويحسن ما يستسيغه، فينتج العلوم والفنون، وساعده ترامي أطراف الدولة الإسلامية، فاستمد من الجميع فنونه وعلومه، وكان العصر الذهبي للبشرية يوم أن قامت على أكتاف المسلمين الحضارة
حين كانت الأندلس هي درة تاج الحضارة، وكانت تعرف بأيبيريا، تلك المنطقة التي وصلها المسلمون فاتحين في عام 711م، علي يد طارق بن زياد، وموسي بن نصير، وضمت للخلافة الأموية، واستمر فيها المسلمون حتى سقطت غرناطة عام 1492م.
عندما وصل موسي بن نصير إلى منطقة الأمازيغ أو منطقة المغرب العربي، بدأ في تثبيت دعائم الدين الإسلامي، مع سياسة معتدلة وفكر متفتح تجاه السكان الذين عرفوا باسم البربر، فكانوا هم دعائم الجيش الذي استطاع عبور المضيق ويقوم بفتح الأندلس، أنشأ بن نصير مدينة القيروان، واستولى على طنجة في عام 708م، التي تحولت إلى مدينة عسكرية لتموين الحملات للمناطق المجاورة.
قامت في منطقة المغرب والأندلس العديد من الحركات السياسية مثل دولة الموحدين، ودولة المرابطين، وهم أسرة من المسلمين البربر كانت تحكم شمالي أفريقيا منذ القرن الحادي عشر، ثم حدث أن استعان بها مسلمو الأندلس لمقاومة تقدم المسيحيين في طرد المسلمين من إسبانيا، فهب المرابطون لنجدة المسلمين في الأندلس مرة، ثم ساروا لنصرتهم مرة أخرى، ضموا بعدها بلاد الأندلس الإسلامية إلى دولتهم في إفريقية سنة 1090، ولكن دولة المرابطين في المغرب لم تلبث أن اضمحلت وخلفتها أسرة الموحدين سنة 1130، وأرسل الموحدون إلى الأندلس جيشًا استولى عليها بين سنتي 1145 و1150، وظلوا يجاهدون ضد المسيحيين حتى هزموا سنة 1235، وكان ذلك نذير طردهم من إسبانيا، ومنذ سنة 1236 صار نفوذ المسلمين في إسبانيا قاصرًا على مملكة غرناطة التي كان يحكمها بني نصر، والتي سقطت في سنة 1492، فانتهى بسقوطها حكم المسلمين في الأندلس.
تميز الفن في تلك الفترة بين ما استمد من فنون المغرب وفنون الأندلس، لتشمل الحقبة برمتها مصطلح الفن الأندلسي، بينما لم يكن فيه للجزائر أو لتونس شأن كبير، فقد كانت الصلة وثيقة بين مراكش وإسبانيا حين كان الإقليمان خاضعين للموحدين، ثم بعد أن سقط الموحدون في بداية القرن الثالث عشر، وغدت الأندلس الإسبانية ممثلة في بني نصر بغرناطة، بينما كان يحكم مراكش بنو مرين (سنة 1195–1470). فإلى عصر الموحدين تنسب بعض العمائر الشهيرة في الطراز المغربي؛ كجامع المكتبية في مراكش، والأبواب الجميلة في رباط ومراكش، وكالجيرالدا (منارة جامع أشبيلية)، وإلى عصر بني نصر في غرناطة يرجع قصر الحمراء سيد العمائر المغربية على الإطلاق، وقصر جنة العريف، كما ترجع إلى عصر بني مرين المدارس الجميلة في مراكش.
ولكن اضمحل الفن المغربي في القرن الخامس عشر، وكانت له نهضة ثانية على يد أسرة الأشراف السعديين في مراكش، ويرجع إلى عهد هذه الأسرة مشهد السعديين المشهور، ومدرسة بني يوسف في مراكش.
ومن مميزات الطراز الإسباني المغربي استخدام نوع من العقود على هيئة حدوة الفرس، واستخدام الدعائم المبنية من الآجر عوضًا عن الأعمدة، مما يكسب الأبنية هيبة وجلالًا عظيمين.
ولسنا نستطيع أن نستعرض هنا الظواهر المعمارية التي اختص بها هذا الطراز، وطبعته بطابع خاص يميزه عن سائر الطرز الإسلامية، وحسبنا أن نذكر المآذن المربعة والطنف أو الأفاريز الخشبية التي كانت تظل البوابات الخمسة، ونلاحظ أن الأعمدة في قصر الحمراء وفي العمائر التي تأثرت بهذا القصر قد امتازت برشاقتها وجمالها وتيجانها ذات الدلايات أو المقرنصات، كما أن استخدام الفسيفساء من الخزف في تغطية الجدران، والإسراف في الزخارف المحفورة على الجص ظاهرتان قويتان في الطراز الإسباني المغربي.
كانت كل الظواهر المعمارية تتجلى في العمارة الإسبانية المغربية، ولا سيما المساجد والأضرحة، وفي القصور التي يرجع أقدم الباقي منها -وهو قصر الحمراء- إلى القرن الرابع عشر، كما امتاز هذا الطراز بكثرة أبنية المدارس، التي أدخلها سلاطين الموحدين في إسبانيا والمغرب، وذاع صيت مدينة فاس بكثرة المدارس التي كانت تشتمل غالبًا على عدة غرف للطلاب، وعلى قاعة كبيرة للدرس كانت تستخدم للنوم أيضًا، وكان بناء المدرسة من طابقين، وفي وسطه صحن مكشوف، ولم يكن هناك قسم في البناء لأتباع كل مذهب من المذاهب الأربعة؛ لأن هذه المدارس كانت كلها تتبع المذهب المالكي.
|