القاهرة 06 ديسمبر 2022 الساعة 10:58 ص
كتبت: سماح ممدوح حسن
رغم أن الصورة القاتمة التى تصلنا عادة من الدول الفقيرة هي صورة للأسف واقعية، إلا أن هناك صورا واقعية أخرى، حري بنا التركيز عليها أكثر، وهي الصورة الحضارية، صورة ما ينتجه الإنسان من فنون.. الفنون بكل أنواعها، وأهمها الرقص، لغة التعبير الجسدي عما تكتنفه روح الإنسان.. ولنا في دولة "السنغال" خير مثال.
هل تعلم عزيزى القارئ أن أول رئيس لدولة السنغال بعد الاستقلال "ليوبولد سيدار سنجور" كان بالأساس شاعرا، ومن معتنقي فلسفة "النيجروتيود"، وهي فلسفة تناهض الاستعمار، وكان من أشد المؤيدين للانتصار للتراث الأفريقي، وهي الأفكار التي ساعدت السنغال على التحرر.
عندما تحط بك الطائرة في مطار "ليوبولدا سيدرا سنجور" بالعاصمة السنغالية داكار، والتي تقع بالجنوب الغربي من دولة موريتانيا على شواطئ المحيط الأطلنطي، فلابد وأن تكون بداية الرحلة في المدينة المتخمة بشتى أنواع الفنون زيارة "قرية الفنون"، تلك القرية الفريدة من نوعها والتى لا تتكرر نسخة منها حتى في دول شمال أفريقيا، والتي تعد أكثر انفتاحا من غيرها..
أقيمت قرية الفنون بالعاصمة "داكار" فقط لتكون الملاذ والمعرض لجميع الفنانين السنغاليين من نحاتين وتشكليين، وأيضا الفنانين الأفارقة من خارج السنغال، حيث تعرض اللوحات والمنحوتات، ويقوم الفنانون التشكيليون بالرسم أمام الجمهور بشكل حي، وفي كل شبر على أرض القرية.
• إذا كان الرقص في أفريقيا هو بداية كل شيء، فإن الرقص في السنغال أسلوب حياة..
هل رأيتم شعبا يرقص تسعة أشهر في العام بشكل متواصل؟ هل رأيتم شعبا تجبره الحكومة على التوقف عن الرقص لمدة ثلاثة أشهر فقط، حتى يتمكنوا من جمع محاصيلهم الغذائية؟ نعم، هذا هو شعب السنغال.. فكما قال الرئيس السنغالي المسمى باسمه مطار العاصمة "ليوبولد سيدار سنجور"، قال إن الرقص في أفريقيا هو بداية كل شيء، وقد كان بالفعل الرقص هو صرخة التحرر التى أطلقتها الكثير من الشعوب الأفريقية في وجه الاستعمار كبداية للتحرر.
• "صَبر، وتؤمها الطبل" إعلان عن قوة المرأة وحريتها
على الرغم من تعدد وكثرة الاختلافات في السنغال، من الاختلاف في الديانات بين الإسلامية والمسيحية والوثنية، وعلى اختلاف المستويات الاجتماعية والمادية، إلا أن الاتحاد يتجلى في أبهى صورة في السنغال عندما تخرج جموع الشعب للرقص..
من المعروف أن أكثر الشعوب حبا في الرقص وأكثرهم قدرة على تنويع هذا الفن هم الهنود، إلا أن السنغاليين يبدو أنهم تفوقوا عليهم فى هذا الفن برقصتهم الشهيرة ال"تم تم"، وأيضا رقصة "صبر" والتى تبدأ بخروج إحدى الراقصات لتنثر الملح على المشاهدين مخافة من الحسد، ومن بعدها تتوافد الراقصات على المسرح على شكل منافسة راقصة، كل واحدة تقدم أجمل ما لديها من حركات، وهذه الرقصة بالأساس تجيء تعبيرا عن قوة المرأة وتحررها، ولا تكتمل رقصة "صبر" إلا بإيقاعات الطبول، وهو مصنوع محليا ولا تصاحب الرقصة أي آلة أخرى.
وهناك الكثير من المدارس لتعليم الرقص في السنغال، وحتى هؤلاء الأوربيين الذين يسكنون الحي المسمى باسم قارتهم "الحي الأوروبي" في العاصمة داكار، والذى بني ليكون نموذجا مصغرا من العاصمة الفرنسية باريس، ولذا اكتسبت السنغال اسم باريس المصغرة، في عهد الاستعمار الفرنسي للسنغال، إلا أنه حتى الأوربيين هناك ينتظمون في مهرجانات الرقص ويؤدون الحركات على إيقاع الطبول الأفريقية التي اشتهرت بها السنغال..
السنغاليون يرقصون في الأفراح وفي الجنازات، يرقصون كتأدية طقوس دينية، يرقصون في الميلاد، في البلوغ، يرقصون فى مواسم الحصاد.. لذا يمكننا أن نقول بثقة إن الرقص في السنغال أسلوب حياة.
|