القاهرة 06 ديسمبر 2022 الساعة 10:54 ص
بقلم: د. حسين عبد البصير
تعد جميلة الجميلات الملكة "نفرتيتي"، بين الملكات الأكثر شهرة في مصر القديمة، وفي العالم أجمع. ويعنى اسمها "الجميلة أتت"، واسمها الكامل هو "نفرو آتون نفرتيتي"، ويعني "جمال آتون الجميلة أتت"، والملكة نفرتيتى هي الزوجة الكبرى للملك أمنحتب الرابع، أو الملك أخناتون بعد ذلك، وهي سيدة عصر العمارنة، ويعد ذلك العصر من أهم الفترات التاريخية في مصر القديمة على الإطلاق.
شاركت الملكة نفرتيتي زوجها الملك أخناتون في حكم مصر في الفترة من 1353 إلى 1336 قبل الميلاد، أي في ظل الأسرة الثامنة عشرة. شهدت فترة حكمهما العديد من المجريات والمتغيرات التي كانت نقلة ونقطة تحول كبير في الديانة والتاريخ والفن والحياة اليومية في مصر القديمة. تشير المصادر إلى أن الملكة نفرتيتي حفظت العرش للملك الصغير توت عنخ آمون بعد وفاة زوجها الملك أخناتون.
ويكفي أن نلقى نظرة على تمثال نفرتيتى كي ندرك روعة الفن وصدق الإيمان بالدعوة من قبل قلة من بعض مؤيدي أخناتون وتوظيف الفن في خدمة الديانة الآتونية وأخناتون وعائلته ودعوته الدينية وفلسفته في الحكم ونظرته للدين والحياة. إنه عصر العمارنة الفريد بكل ما له وعليه.
تتمتع رأس نفرتيتي بشهرة واسعة في كل أنحاء ألمانيا؛ إذ تملأ صورها محطات القطارات والشوارع، والميادين، وباتت جزءًا من الثقافة الألمانية رغم انتمائها للحضارة المصرية القديمة. الشعب الألماني وزوار متحف برلين مهوسون برأس تمثال نفرتيتي، ويعدونها أهم قطع المتحف؛ إذ تحظى بطريقة عرض مختلفة عن بقية القطع الأخرى.
خرج التمثال من مصر عن طريق التدليس، فقد خدع عالم الآثار الألماني لودفيج بورخاردت، الذي اكتشف التمثال في منطقة تل العمارنة (بمحافظة المنيا)، في عام 1912، المسئولين عن الآثار في مصر؛ حين أوهمهم بأن التمثال ضعيف القيمة ومصنوع من الجبس. وأخفى معالمه الفريدة ليتمكن من تهريبه لألمانيا. بينما الرواية الألمانية تقول إنه تم منح التمثال النصفي لنفرتيتي وبعض المكتشفات الأخرى إلى الفريق الألماني بموافقة غوستاف ليفيفر، المفتش المسئول عن مصلحة الآثار في مصر الوسطى في ذلك الوقت.
هل تمثال نفرتيتي حقيقي أم خرافي؟! خرج رأيان في ذلك الشأن: الأول يقول إن لودفيج بورخاردت ظل محتفظا بالرأس سرًا في منزله طيلة 11 عامًا قبل أن يسلمه لمتحف برلين. وعندما أعلن أنه قدم رأس نفرتيتي إلى المتحف كان في الواقع يقدم نسخة مقلدة بإتقان للرأس الحقيقي، والذي بالتالي لا يعرف مصيره إلى الآن. والأغرب من ذلك أن المؤرخ الفني السويسري هنري ستيرلين يرفض أساسًا فكرة وجود رأس حقيقي ويقول إن لودفيج بورخاردت استأجر نحاتًا كي يصنع له ذلك الرأس الذي لا يوجد له مثيل في فن النحت سواء قديمًا أو حديثًا.
أما عن الرأي الثاني، ويضم معظم علماء الآثار والمتخصصين في الفنون القديمة، بل والمتخصصين في فن العمارنة، فيقول إن الرأس عمل فني أصيل من أعمال الحضارة المصرية كشف عنه بورخاردت في حفائره ووصفه في دفتر يومياته يوم الكشف عنه بقوله: "فجأة وجدنا بين أيدينا أكثر القطع الفنية المصرية حيوية.. فلا يمكن وصفه بالكلمات.. يجب أن تراه".
هناك العديد من المؤامرات أو الفرضيات حول كون تاريخ التمثال حقيقي (صُنع قبل 3000 آلاف سنة) أم مفبرك (صُنع قبل مدة لا تزيد عن 150 سنة من قبل لودفيج بورخاردت). لقد أجرى متحف برلين مسحًا بالأشعة للرأس. وأثبت أنه من الحجر الجيري المصري، وعمره ثلاثة آلاف سنة، وعليه طبقة رقيقة من الجص والألوان البديعة لملامح الوجه والتاج.
هل أي نقض للقصة التاريخية يعود بفائدة أو نتائج سلبية بالنسبة لمصر وألمانيا كدول وشعوب وحتى بالنسبة للمهتمين بالتاريخ والفن من غير هويات؟ في الواقع، فإن أي تحوير للحقائق يعتبر نوعًا من أنواع التدليس والكذب والخداع. فالواقع معروف ومعترف به من المجتمع العلمي والشعوب وهو أن الرأس مصرية وأصلية 100%، وأي نقض للقصة التاريخية لا يعود بفائدة سواء على مصر أو ألمانيا سوى الجدال والمهاترات وزرع الشك لأسباب غير معروفة وغير واقعية.
ما بين القصة والحقيقة، أيهما تفضل؟ ولماذا؟!
بالطبع رأس نفرتيتي أصلي ومصري 100%؛ فلقد كُشف في أرشيف العالم الألماني بورخاردت، والذي ما يزال في حوزة وزارة الآثار المصرية، عن صور الكشف عن رأس نفرتيتي، وأولى اللقطات التي أخذت لأجمل رأس لملكة من التاريخ القديم..
ستظل نفرتيتي تبتسم للألمان، لكن يومًا ما سوف تعود الجميلة إلى مصر وتعرض بين أهلها في المتحف المصري الكبير عند افتتاحه قريبًا إن شاء الله؛ كي يبتسم كل أهلنا من المصريين.
|