القاهرة 29 نوفمبر 2022 الساعة 11:18 ص

كتب: سيد عبد الحميد
"أول التحرر إنك تقدر تعلق علمك، قمة التحرر إنك تقدر تحرق علمك".
يبدأ فيلم "علم" بمشهد افتتاحي يضم ثلاثة شباب في ساحة مدرسية يدخنون ويحكون عن الفتاة التي انتهت علاقتها مع صديقهم، وعن الجنس وجوعهم إليه الذي يظهر في كل كادر تظهر فيه فتاة بصدرٍ بارز أو مؤخرة مكتنزة!
يعاني "تامر" و"شيكل" في الحصول على مخدرات لأن الشاب المسؤول عن توزيع المخدرات لهم تم القبض عليه وزميله الجديد لا يبيع إلا بالجملة!
في الثلث الأول من أحداث الفيلم لا يبدو لنا إلا ضجر الشباب في مرحلة عمرية يكون فيه الملل من الدراسة والتهرب منها للتسكع هو الشغل الشاغل لكل طالب مدرسي.
تامر شاب فلسطيني في مدرسة على قمتها علم إسرائيل مهترئ، يستمع تامر لكلمات مدير المدرسة مع الحارس لضرورة تغيير هذا العلم واستبداله بآخر جديد، علم إسرائيل مقابل علم إسرائيل. لا يُقحم الفيلم القضية الفلسطينية بداخله ولا يتملص منها. هو فيلم عن الحياة اليومية التي يمكن أن يعيشها أي مراهق في وطن محتل مر بنكبة 15 مايو ويعاصر في كل عام ذكراها. يولد ويسمع نشيد نضال عائلته مع الاحتلال أو ما عانته تلك العائلة من فظائع الحرب والتهجير والقصف. يظهر الشباب بمظهر عصري في مدرسة نظيفة يحكي فيها مدرس التاريخ الرواية الإسرائيلية لدخول فلسطين وبناء دولتهم، يُشير للاحتلال بألفاظ أقل وطأة ومغايرة في معناها، وحينما يعترض شاب آخر على هذا الحديث يخبره أن ما يقوله هو ما يجب كتابته في ورقة الامتحان وعدا ذلك فليس مهما! يتلقى الطُلاب العديد من إنذارات الطرد من المدرسة بسبب عدم الانتظام في الحضور أو الجدل في أمر القضية ومعارضتهم على ما تقره المناهج الإسرائيلية. تأتي "ميساء" من قرية أخرى، الفتاة الوحيدة التي تظهر وسط كل هذا الضجر الذكوري، ينجذب إليها تامر ويراقبها، ويتجه لصديق آخر لسؤاله عنها، فيخبره الآخر أنهم يريدون تغيير علم إسرائيل الموجود على قمة المدرسة بآخر فلسطيني!
فيما بعد يقول صفوت نفس الشخص: معنديش شعور انتماء للعلم، يمكن هو أداة.
بالنسبة لتامر غير المنشغل في السياسة بسبب تحذيرات والده أو بسبب خوفه حتى لا يحصل على نفس مصير عمه ناجي الذي فقد عقله بسجون الاحتلال بعدما توفي والده وهو داخل السجن، أو بسبب أن تامر شاب لا يعبأ بشأن النضال ويُفضل مشاهدة الأفلام الجنسية والاستمناء أو التدخين والسُكر عن أي شيء آخر، بدا أمر العلم بالنسبة إليه مهمة انتحارية قد تؤدي لموته وهو والمشاركين فيها أو حبسهم، ولكن وجود ميساء في العملية جعله أكثر جسارة، فقط من أجل مشاركتها بعض الكلام!
الفيلم جيد على عدة مستويات. القصة التي تدور حول شباب مراهق وُلد وكبر على أرض محتلة ليست هي محور الأحداث، الفيلم يدور في فلك الحياة اليومية لهؤلاء، الضجر من أحاديث النضال التي تبدو مستهلكة حد السخرية منها، التعرض للإيقاف غير المبرر من قوات الاحتلال، حتى الموت برصاصة طائشة كلها أشياء تحدث كل يوم في أرض الاحتلال لذا لم يكن مطلوبا خروج فيلم بكائي مكرر لمجرد أنه فيلم فلسطيني بقدر ما نجح صناع الفيلم بصنع عمل فني مميز من حيث التصوير والإخراج والقصة.
بمقابلة له مع منصة (معازف) يقول مغني الراب الفلسطيني "شب جديد":
"ليش ما منتمسكن؟ لأنه عيب الواحد يتمسكن، والإنسان الفلسطيني فخور بطبعه لكونه فلسطيني، يعني زمان كان الراب كله يتمحور حول القضية لأنه فش مجال لإشي تاني. ماحدش حيسمعك بس الأجانب حيدعموك لازم تعيط إحنا مش مضطرين نعيّط سيدي، هَيانا عيطناش ومشيت معانا".
يعيش تامر في صراع الخوف من مصير عمه ناجي والتورط في أحداث النضال وبين الرغبة العارمة في التعبير عن نفسه، ليس كمناضل ولكن كشاب. في أحد اللقطات يحرق جندي إسرائيلي علم فلسطين أمام منزل تامر وأمام عينيه، يظهر الغضب للحظات في عيونه قبل أن يخفت تمامًا أمام الجندي الإسرائيلي.
• الموسيقى في فيلم طويل
تظهر أغنيات "شب جديد" مغني الراب الفلسطيني و"مروان بابلو" مغني الراب المصري في خلفية أغلب المشاهد التي يجتمع فيها الشباب للتعبير عن النمط الموسيقي السائد لهذا الجيل الذي تتمحور كل أعماله حول حرية الذات والتخلص من القيود. كما تظهر "أم كلثوم" في أحد المشاهد كخلفية موسيقية واضحة مما، فيما ظهرت أغنية "كلمة" لرامي صبري في مشهد عيد ميلاد. لا يحمل الفيلم نظريات خاصة، ولا تأويلات عميقة، وخلال ساعتين مشاهدة لم أجد فيهما شيء مُفتعل، كل الأحداث والانفعالات جاءت هادئة على الشاشة، بينما تفاعل كل الحضور في قاعة "النافورة" بدار الأوبرا المصرية حيث عُرض الفيلم في قاعة مكشوفة لم تسع كل ضحكات الجمهور خلال العرض بسبب الإشارات الساخرة التي حملتها بعض المشاهد أو الألفاظ الإباحية التي كان الشباب في الفيلم يطلقونها على بعضهم.
الفيلم أيضًا من بطولة ومشاركة اثنين موسيقيين بارزين في المشهد الموسيقي الفلسطيني المستقل وهما "ضبور" مغني الراب الذي قام بدور "شيكل" و "أحمد زغموري" الشهير ب "شب موري" وهو من مؤسسي منصة شركة "بلاتنم" المسؤولة عن أغنيات "شب جديد" والذين كانوا قد حققوا نجاحا باهرا في تعاونهم معًا في منتصف عام 2021 حينما أصدرت المنصة أغنية "إن أن" لشب جديد وضبور، وأغنية "الشيخ جراح" لضبور بالتزامن مع أحداث الشيخ جراح التي حدثت في العام الماضي.
فيلم "علم" الفلسطيني لفراس خوري الحائز على جائزة الهرم الذهبي لأفضل فيلم في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وجائزة الجمهور، وجائزة أفضل ممثل لمحمود بكري.
|