القاهرة 23 نوفمبر 2022 الساعة 11:19 ص

بقلم: أحمد محمد صلاح
بدأ العرب في الفتوحات الاسلامية، وبدأت عملية التبادل الحقيقي مع البلدان التي يقومون بفتحها، صحيح أنه كانت بين العرب والبلدان الأخرى مثل مصر والشام وفارس وحتى أوروبا بعض عمليات التبادل التجاري، إلا أن البقاء "اللحظي" لم يكن يسمح بالتعايش، ومن ثم تبادل المعارف والفنون المختلفة.
وإن كان العرب قد برعوا في الشعر واستطاعوا أن يمتلكوا نواصي الكلم، لذلك جاء القرآن معجزا لهم، ولكنهم لم يستطيعوا أن يقدموا الكثير في الفنون مثل العمارة مثلا، وحتى المعارف الأخرى مثل الفلسفة أو العلوم الطبيعية، وإن كانوا أجادوا ذلك وبرعوا فيه بعد ظهور الإسلام، وما يفرضه الإسلام من الاستزادة من العلوم والمعارف، وإن كان البعض قد حول ذلك في عصور الظلام إلى أنه من العلوم الخبيثة!
ولنعود إلى الفنون الاسلامية، ومهما يكن من شيء، فإن الصناعات والمهن الحرة ظلت في أيدي أهل البلاد التي فتحها العرب، وتطورت الأساليب الفنية في كل إقليم من الأقاليم المفتوحة تطورًا خاضعًا فيه لكثير من القواعد التي فرضها عليها العرب الفاتحون، ونشأ من امتزاج العرب بأهل البلاد التي أخضعوها لسلطانهم فنون متشابهة في جملتها، متباينة في جزئياتها..
فمثلا نستطيع أن نقول إن مصر استطاعت أن تفرض عمارتها الضخمة على المسلمين القادمين من عمق الصحراء، فأنشأ عمرو بن العاص مسجده بطراز المعابد المصرية القديمة نفسها، بل استمد من تلك المعابد الأساطين الضخمة ليضعها داخل المسجد، كما أن المآذن التي كانت بدايتها من مصر هي في جوهرها المسلات الفرعونية!
ومن نافلة القول أن نقول إن الفن الإسلامي في القرون الثلاثة الأولى بعد الهجرة كان يسوده طراز أموي أولًا، ثم طراز عباسي بعد سقوط بني أمية سنة 750م، ولما ضعفت الدولة العباسية في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)، وخلفتهما دويلات وإمارات مستقلة في الأقاليم الإسلامية المختلفة، قامت على أنقاض الطراز العباسي أساليب فنية محلية يمكن تمييز كل منها، ولا سيما في ميدان العمارة؛ لأن منتجات الفنون الفرعية (أو الصناعية أو التطبيقية Minor arts) كان من السهل نقلها من إقليم إلى آخر، والتأثر بالأساليب الفنية فيها.
ويقول الأستاذ زكي محمد حسن في كتابه "في الفنون الاسلامية": إذن فقد كان الفن الإسلامي بعد سقوط العباسيين يشتمل على طراز إسباني مغربي قام في شمالي إفريقية والأندلس، وعلى طراز مصري سوري قام في وادي النيل وفي سورية، كما كان يشتمل على طراز فارسي في إيران، وطراز عثماني في الإمبراطورية العثمانية، وطراز هندي في الهند الإسلامية، وكان أيضًا وثيق الصلة بفن صقلي نورمندي في جزيرة صقلية، وبفنون المدجنين والمستعربين، وهي الفنون التي قامت في إسبانيا بعد زوال سلطان المسلمين عنها.
• العصر الأموي وبدء فن العصور الإسلامية:
ويستطرد الأستاذ زكي محمد حسن فيقول: "كان استيلاء الأمويين على الخلافة وانتقال عاصمة الدولة الإسلامية من المدينة إلى دمشق خاتمة لعصر الخلفاء الراشدين، الذي غلب فيه على المسلمين تجنب البذخ والترف، وبدأ الأمويون يفكرون في تشييد مساجد توازي في العظمة كنائس المسيحيين، ويتخذون تحفًا فنية تتفق وعظمة ملكهم الجديد، وكان جل اعتماد الأمويين في بداية الأمر على عمال وفنانين من البيزنطيين والسوريين المسيحيين تتلمذ عليهم العرب، ونشأ على يد الجميع الطراز الأموي في الفن الإسلامي، ونقل القواد والحكام وأتباعهم أصول هذا الطراز إلى سائر الأقاليم الإسلامية، وثبتت هذه الأصول في الأندلس، حتى أن سقوط الدولة الأموية في الشرق لم يكن له صداه في الأساليب الفنية الإسلامية بإسبانيا، ولا سيما أن هذا الإقليم الإسلامي خرج عن الدولة العباسية، ونشأت فيه دولة أموية غربية كان لها طراز أموي غربي احتفظ بكل الأساليب الفنية في الطراز الأموي الشرقي.
وأهم الأبنية التي تنسب إلى الأمويين قبة الصخرة التي تقع في وسط الحرم الشريف ببيت المقدس، ثم الجامع الأموي بدمشق، وبعض قصور بناها الخلفاء في بادية الشام؛ كقصر عَمْرَى، وقصر المشتَى، وقصر الطوبة.
أما قبة الصخرة فيطلق عليها في بعض الأحيان اسم جامع عُمر؛ لأن عمر بن الخطاب كان قد أقام في موضعها مصلًّى من الخشب، ثم شيَّد عبد الملك بن مروان على أنقاضه البناء الحالي سنة 690م، وهو على شكل مُثمَّن فوقه قبة عالية تغطيها فسيفساء عليها زخارف باللونين الأخضر والذهبي، والقبة محمولة على دائرة من أعمدة ضخمة من الرخام الأخضر، وذات تيجان مذهبة، وقد عني عبد الملك بقبة الصخرة عناية زائدة؛ لأنه أراد أن يحول الحج من مكة إليها حين كانت الكعبة في يد منافسه عبدالله بن الزبير، وعلماء الآثار متفقون في أن عمارة هذا البناء مأخوذة من عمارة الكنائس المسيحية البيزنطية، بيد أننا نلاحظ أن هذا الشكل المثمن لم يتكرر في تصميم الجوامع الإسلامية؛ لأنه كان ملائمًا كل الملاءمة ليحيط بالصخرة المقدسة في الحرم الشريف؛ ولكن تصميم الكنائس المعروفة بالباسيليكا كان أوفق للعبادة الإسلامية، وقد اتخذه المسلمون في أكثر الأحيان أساسًا لتصميمات مساجدهم.
أما الجامع الأموي بدمشق، فقد أقامه الخليفة الوليد بن عبد الملك على أنقاض كنيسة القديس يوحنا، وفي وسطه الآن صحن كبير تحيط به أروقة وعقود وإيوانات من الحجر تحملها في الشمال دعائم Pillars، وفي الشرق والغرب دعائم وأعمدة، وأكبر هذه الأروقة رواق القبلة، ويشمل ثلاث بلاطات Bays تقوم في وسطها قبة.
ولا شك في أننا نشاهد التأثير الذي كان لتصميم الجامع الأموي على تصميم الجوامع التي شيدت في الأمصار الإسلامية المختلفة في ذلك العصر؛ كجامع القيروان، وجامع الزيتونة بتونس، وجامع قرطبة بإسبانيا.
أما القصور التي شيدها الخلفاء في بادية الشام أكثرها أبنية مربعة الشكل وسطها حيشان تحيط بها غرف للسُّكنَى، وكان يأوي إليها الأمراء للصيد أو حين تنتشر الأمراض في المدن، وكان الجزء المهم في بعضها حمامًا كما في قصر عمرَى، وكان البعض الآخر يشبه الحصون الصغيرة، وعلى كل فإن في تصميم هذه القصور وفي زخارفها عناصر عراقية وفارسية، إلى جانب العناصر الشرقية المسيحية التي امتاز بها هذا العصر وتلك الأقاليم.
وقد اشتهر قصر عمرَى بما فيه من نقوش آدمية على الأسقف والجدران بألوان زاهية، وأساليب فنية بيزنطية متأثرة في بعض نواحيها بالتقاليد الإيرانية.
|