القاهرة 15 نوفمبر 2022 الساعة 11:07 ص
كتب: أحمد مصطفى عمر
هل ماتت الفلسفة؟ هل حل النقاد محل الفلاسفة؟ أسئلة طرحتها ما بعد الحداثة، لكن للآن لم يحسم الأمر، فنحن نتطلع إلى كل ما يدلو به المفكرون والفلاسفة في موضوعات حيوية تربك العقل، وتحتاج لإجابات من متخصصين يحيطون بكل المعارف والفنون والآداب، فنحن في لحظات إنسانية مرتبكة سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.
لا نستطيع أن ننكر أن الفلسفة لا منهج لها، ولا موضوع لها، ولأنها في حقيقتها لم تكن تستمد وجودها وموضوعاتها إلا من العلوم نفسها التي كانت تستحوذ وتهيمن عليها. وإذن يمكن القول بأن الفلسفة لم تكن يوما ذات موضوع، ولم تكن يوما ذات منهج أبدا..
فحتى عندما نعود للتصنيفات الأكاديمية سوف نجد أن الفلسفة تُقَدَّمُ للطالب على أساس أنها بحث في منهج المعرفة التجريبية والعقلية، وبحث في المجتمع والدولة، وبحث في النفس الإنسانية، وبحث في الطبيعة، وبحث في الأخلاق، وبحث في البنية، وبحث حتى في أسس العلم، غير أن الواقع كان يفرض أن تقدم الفلسفة للطالب على أنها فقط نمط من أنماط التفكير في العلم، العلم الذي يستطيع تجاوز حدوده المنهجية والمعرفية الصارمة إلى حدود ما وراء العلم، بمعنى، أن الفيزياء مثلا قد تجاوزت حدودها المنهجية والمعرفية لتجد نفسها بفعل قوة منطق التحليل الرياضي قد ولجت عوالم كانت ولازالت عند الكثير تندرج ضمن عوالم الميتافيزيقا، في حين أن المنطق نفسه الذي أدى بالفيزياء إلى هذه التجاوزات هو نفسه الذي يمكن أن يُخْضِعَ الميتافيزيقا لمبضع العلم المعاصر..
وإذن، فلم تعد الفلسفة تستحوذ لا على علوم الإنسان ولا علوم الطبيعة ولا الميتافيزياء، لأن هناك نظريات مثل نظرية النسبية العامة، ونظرية الكوانطا، والأكوان المتوازية وغيرها قد أفرغت آخر ما تبقى للفلسفة من مجال اهتمام أي الميتافيزياء، وفتحت آفاقا واسعة للعلماء ودفعت علماء الفيزياء إلى الخروج من السؤال الفيزيائي إلى السؤال الميتافيزيائي حينما يؤدي بهم الاسترسال الحر والمنطقي للمعادلات إلى نتائج يتم استقراؤها، بحيث تؤدي هذه الاستقراءات إلى نتائج تشبه التنبؤات، دليلها منطقي دون أن يكون واقعيا أو تجريبيا (الثقوب الدودية – الثقوب السوداء – قطة شرودينغر – شكل الكون)، وقد أدت الفيزياء في كثير من الأحيان إلى الدخول في متاهات الأسئلة الميتافيزيائية التي تتحول إلى إشكالات عقدية ووجودية كما حدث مع ستيفن هوكينغ.
انطلاقا من هذا، سوف تصبح الميتافيزيا فرعا من فروع الفيزياء المعاصرة والمستقبلية، طالما أن الفيزياء المعاصرة قد تخطت حدودها الذاتية لتصبح سبيلا إلى البحث في اللامحدود وفي الميتافيزيائي، وبالمثل ستصبح الفلسفة حقلا بلا موضوع، وسيصبح "الفيلسوف" الذي دأب على الحديث في كل شيء، والذي لا ينطلق من خلفية علمية، مجرد أديب أو شاعر أو مفكر.
|