القاهرة 01 نوفمبر 2022 الساعة 10:10 ص

بقلم: كاثرين تايلور
ترجمة: سماح ممدوح حسن
للمرة الأولى تُثبت صحة الإشاعات.. الكاتبة الفرنسية "آني إرنو" 82 عاما، فازت بجائزة نوبل في الأدب، بعدما شاع عنها طوال العامين الماضيين أنها المرشحة الفُضلى للجائزة، ولتكون السيدة السابعة عشرة الحائزة على الجائزة من أصل 119، على مدى تاريخ الجائزة.
وتشتهر الأكاديمية السويدية بسريتها واختياراتها الغامضة في كثير من الأحيان، عادة ما يثير إعلان الجائزة في أكتوبر اهتمام الصحفيين والمحررين المحموم بالبحث عن من حصل على الجائزة، لكن "آني إرنو" حظيت بهذا الاهتمام في البحث منذ عقد مضى.. لكن، وبينما كانت كتاباتها رائجة ومعروفة جدا في فرنسا فترة سبعينيات القرن الماضي، ونشرها للترجمات الإنجليزية فى أوائل التسعينيات، إلا أنه لم يرشح كتابها "السنوات" لقائمة البوكر القصيرة إلا حوالى عام 2019، مما كان له أكبر الأثر على الناطقين باللغة الإنجليزية.
يغطي كتاب "السنوات" ستة عقود من الزمن، بين تاريخ اجتماعي وتاريخ شخصي، يبدأ من طفولة "إرنو" في الطبقة العاملة أثناء وبعد حرب النورماندي، حيث ولدت 1940، وحتى انتفاضة الطلاب 1968.. فرحة البداية وخيبة أمل النهاية خلال فترة رئاسية طويلة للرئيس فرانسوا ميتيران في الثمانينيات والتسعينيات وحتى الألفية الجديدة.
يحتوى الكتاب على محطات رئيسية في السياسة، والأدب، والموسيقى، والتلفزيون، والتعليم، والزواج، والطلاق، والإعلانات، والشعارات العامة الشعبية، وكلها موضوعات تًسرد على لسان راوٍ لم يستخدم ضمير المتكلم "أنا" ولا حتى مرة واحدة.
احتُفِل بالكتاب عام 2006 فى فرنسا باعتباره بحثا حديثا عن الزمن الضائع، لكن فيما يتعلق بالأسلوب النثرى اختلفت إرنو كثيرا عن "بروست*" فكتاباتها أكثر صرامة، والموضوعات الجنسية أكثر تحليلا، عملها ككل انعكاسي حميمي، لكنه أيضا غير شخصي ومنفصل تماما، وقد وصفت لجنة نوبل أعمال "إرنو" بأنها "أعمال صارمة لا هوادة فيها، مكتوبة بلغة بسيطة وواضحة".
وعلى أى حال لا توجد كتابة بإسلوب أكثر صرامة مما ورد فى وصف إرنو للإجهاض غير القانوني عندما كانت لا تزال طالبة فى جامعة روان 1963. تلك الحلقة من حياتها ظهرت للمرة الأولى فى كتابها الحاد القصير "الحدث" الذي نشر فى فرنسا 1999، وكما العديد من أعمال "إرنو" كان جزءا من يومياتها وذكرياتها عن ذاك الوقت، كانت عائلتها متدينة بشدة، وكانت إرنو أول من التحقت بالجامعة. وتقول عن هذه المسألة "انخرطت فى علاقة جنسية، ورأيت شيئا ينمو بداخلى كوصمة عار للفشل الاجتماعي".
إن الشعور بالخزي، من التسلسل الهرمي المتصلب للمجتمع، تزخر به كتابتها المتفحصة لكتاب "مكانة الرجل" وهو كتاب عن أبيها ونشر للمرة الأولى 1983. توفى والد إرنو قبل شهرين من اجتيازها لامتحان التدريس (وكانت لاتزال تواصل عملها فى التدريس فى المدارس والجامعة من 1977 وحتى عام 2000، إلى جانب الكتابة).
كتاب "مكانة الرجل" كان الجزء الأكبر مما تسميه إرنو "البُعد الحي للتاريخ" الجزء غير العاطفي عن حياة رجل من الطبقة العاملة فى زمن أبيها، يكافح بالقدر الأدنى من التعليم "لا ذكريات غنائية، ولا عروض منتصرة للسخرية" هكذا تحذرنا.
وبالمثل فعلت في كتابها "بقيتُ فى الظلام" وهو كتاب سيرة ذاتية عن مرض أمها العقلي، الزهايمر، وموتها لاحقا، ومع إرنو المطلقة الآن وهي في منتصف العمر، كتبت هذه السيرة بكل حيادية وصرامة مشبعة بأحزان الابنة طوال الوقت.
غالبا ما يلازم الشغف الحزن.. وفي كتابها "شغف بسيط" تحكي قصة علاقتها في باريس مع الملحق السوفيتى، خلال الأشهر التى سبقت سقوط جدار برلين، كان أصغر سنا منها ومتزوج، وأحدث ترجمة لها باللغة الإنجليزية كتاب "الضياع" كان عبارة عن مذكرات لهذه العلاقة، والتي تذكرنا بمدى اقترابنا من الموت سواء أخلاقيا أو جسديا أو وجوديا.
كانت "مارجريت درابل" قد علقت على أعمال إرنو قائلة: "لقد ورثت إرنو، دور دي بوفوار كمؤرخ لجيل كامل" والآن توجت المؤرخة بأكبر الجوائز الأدبية.
ملحوظة المترجمة:
"بروست" أو مارسيل بروست، وهو روائى فرنسي عاش في القرن التاسع عشر وأوائل العشرين واشتهر بسلسلة رواياته البحث في الزمن المفقود، سبعة روايات، يستعرض فيها الكاتب مدى تأثير الماضي على الحاضر.
نشر المقال بصحيفة الجارديان في 6 أكتوبر 2022.
|