القاهرة 25 سبتمبر 2022 الساعة 10:16 ص
بقلم؛ أمل زيادة
عزيزي عمر خورشيد،،
مرت الأيام وتقابلنا مجدداً.
لا أخفي عليك أكاد أطير من فرط السعادة.!
بدأ فعليا فصل الخريف، واعتدلت الأجواء، وانتظمت الحياة، صارت أكثر هدوء، أكثر جاذبية، وتشجيعًا على تحقيق الأحلام، والتحليق في عالم الخيال.
لا أخفي عليك أنني بت أشعر وكأنني فراشة.!
كوني فراشة لا يعني أنني أكتفي بالطيران، والتنقل من هذه الزهرة لتلك، وإنما أتأمل الكون والبشر.. فهذا يحب وآخر يكره ويتفنن في إبعاد من يحبه عنه، ربما ضجرا أو كرها.. لا أستطيع أن أجزم بشيء.!
وهذا يلهث خلف حلمه، وأخر يضحك بسخرية وهو يراقب تخبط الجميع.. ما بين أولئك وهؤلاء تجدني أشاركهم الحيرة تارة والركض تارة أخرى.. هكذا هي الحياة، تتلاعب بنا، تأخذنا في رحلة طويلة، وتعيدنا لمكاننا مرة أخرى لنبدأ من جديد.. فينا من يصبر ويبدأ، وفينا من ييأس ويستسلم، ويدعها تفعل به الأفاعيل.!
لذا قررت البعد عما يؤذيني، عما يؤخرني عن حلمي، عن سلامي النفسي، وعن طمأنينتي.!
فلقد حان موعد السعادة التي تطل علينا كل عام، في نفس الوقت، مع احتجاب قرص الشمس، مع نسمات الهواء الباردة، مع الغيوم التي تلامس القلوب بحرية، يصف البعض هذه الأيام بالكئيبة، إلا أنني أصر أنها أجمل فترات العام، ألاحظ سعادة وراحة خفية على الوجوه.. تطل علينا باستحياء.!
فالسعادة كالحُب لا يمكن إخفاؤها، فهي تلقي بظلالها على القلوب، فينعكس أثرها على الملامح وبريق العيون..
لقد بدأت للتو مواسم الحنين.. الحنين لدقات قلوب مع أشخاص مرت بحياتنا وتركت أثرًا طيًبا فينا.
تتجول الذكريات هذه الأيام، بحرية تامة، كنسمات الهواء الباردة، فتلامس القلوب وتداعب المخيلة، فتثير المشاعر، وتحفز القلوب على الخفقان لتترك بصماتها ولمساتها الرقيقة على مخلوقات الله، لاسيما الأشجار التي تتمايل بانسجام تام معها، دون اعتراض، بل باستسلام وسعادة تامة.
لعل أجمل ما في هذه الشهور هو قرب شهر أكتوبر، شهر الانتصارات، شهر الحُب والسعادة، ففيه تتجدد الاحتفالات، وفيه ندرك قيمة الأرض، قيمة الوطن، وفيه يصبح للَحنك الملحمي وجودًا طاغيًا، نستحضره طوال الشهر، وليس وفقًا لأحداث حياتنا المتذبذبة صعودًا وهبوطًا، تحت ضغوط الأيام وما بها من أحداث تتلاعب بنا وتتقاذفنا كالكرة..
عزيزي عمر خورشيد،،
يقاس العمر بلحظاته السعيدة حتى ولو كانت نادرة.!
رغم أن الأحداث الجسيمة هي التي تعدل المسار، وتساعد في النضج واستيعاب الحياة بما فيها من تناقضات، يظل للفرح، للسعادة الأثر الأكبر في النفوس، رغم اقترانه بالسذاجة والعشوائية، فالسعادة لا نرتب لها، لأنها لا تحتاج لأي تريب من الأساس، فقط تشعر بها، فتتحول من النقيض للنقيض، لذا انصح الجميع بالاقتراب مما يسعدهم، وتجنب ما يؤذي.. ما يأكل من ملامحنا.. ما يفسد استقرارنا.!
ألاحظ رغبة البعض في التغلب على اكتئاب هذه الأيام، لا سيما الرغبة في التحرر من القيود والروتين.!
مع تجدد هذه الأجواء يلح علينا الشعور بالحُب، والرغبة بالمرور بتلك التجربة الخطيرة، ففيها نترك العنان للقلب ليتحكم في كل شيء بما يتبعه من فوضى ورغبة تامة في الانطلاق، في الاستمتاع، حتى ولو على حساب المنطق والعقل.!
هناك من يرغب بالقيام بشيء جديد، غير معتاد..
اخبرني أحدهم انه يرغب في فعل مجنون كالرقص في الشارع.! أخبرته أن يفعل.. أخبرني أنه سيتهم بالجنون! لست أدري لما يدعوه جنونا؟! أليست رغبة مُلحة وستتسبب في إسعادك.. فلتفعلها إذن، حتى لو اعتبرها الآخرون جنونًا.! حتى لو رقصت بمفردك في الشارع
ووصفت بالجنون..! من منا عاقل بالأساس؟!
القليل من الجنون لا يضر..!
عزيزي عمر خورشيد،،
يصفون المحُب دوماً بالجنون، مجنون ليلى، وعنترة وعبلة، وغيرهم من قصص الحُب المبالغ فيها..
لست ادري لماذا يقترن الجنون بالحُب؟!
هل لأن الحُب شعور يهبط علينا فجأة فيفقد أكثرنا تعقلاً لرزانته؟!
هل لأننا عندما نحُب لا نفكر إلا في الحُب ذاته، وما تلاه، وما يليه من مشاعر من شأنها أن تخرجنا عن الطريق، عما هو معتاد، ومألوف؟!
هل لأن الحُب رغبة وشعور يرتبط بالأجواء وبتقلباتها؟! ربما..
رغم ذلك يظل الحُب أجمل وأرقى وأسمى شعور في الكون.. قد نعتبره وهمًا في إحدى فترات حياتنا، وقد نعتبره نعمة في أوقات أخرى..
رغم ذلك أراه نعيم دائم.. يكفي ما تعيشه مع من تحُب.. يكفي أن لديك ذكريات قد ترويها يومًا لأحفادك لمن تحُب.. يكفي أنك مررت بالتجربة وتذوقت حلاوة الحُب.. يكفي أنك كنت شجاعًا واعترفت انك أحببت حتى ولو فشلت قصة حبك كقصص الحُب العابرة في حياتنا أجمعين.. يكفي أن للحُب وجود في تاريخك..!
فلولا الحُب لما كان لنا ذكريات نتغنى بها، ولما كان للأماكن أثر، وللأغاني تأثير في النفوس.. لولا الحُب ما كان هناك حياة، أنت، وأنا، وهم أبطالها.
عزيزي عمر خورشيد،،
كن بخير لأكتب لك دوماً.
|