القاهرة 24 سبتمبر 2022 الساعة 10:14 ص
بقلم: د. حسين عبد البصير
دخلت السيدة "إيزيس" إلى المحكمة الكبرى، في مدينة "طيبة" العظيمة، العاصمة المعروفة، إلى قاعة المحكمة ذات القضاة العشرة.
إيزيس سيدة جميلة في منتصف الثلاثينات من عمرها، وكانت قاعة المحكمة مزدانة بكل ما هو جميل وكان هناك منظر كبير يمثل العدالة مرسومًا خلف القضاة.
كانت إيزيس حزينة؛ لأن زوجها قد هجرها، وبُعد عنها، وامتنع عن إعطائها حقوقها الزوجية؛ لأنها لم تنجب له طفلاً ذكرًا كان يحلم به بعد زواج دام فترة طويلة، فطلقها، وامتنع عن إعطائها حقوقها التي وقّع على تسليمها لها بعد طلاقها.
قربها حارس المحكمة من كبير القضاة، الذي قال لها:
- قولي لي قضيتك باختصار.
نظرت السيدة "إيزيس" في عينيَّ كبير القضاة. وقالت والحزن يملأ عينيها:
- جوزي طلقني.. جوزي سابني.. وبعد عني بعد عشرة عمر وزواج عشر سنوات.. وقال لي: اتجوزي أي حد تاني.. وقالي لي كمان: مش هأقدر أعيش معاكي تاني.. ولا هأكمل معاكي.. ومش عاوز أشوفك في بيتي تاني.. أو في أي بيت أروحه.. ومش عاوزك تكوني مراتي بعد النهارده..
نادي كبير القضاة على الحارس الذي هرول في اتجاهه قائلاً:
- أمرك يا كبير القضاة.
فقال له:
- هات لي جوزها اللي واقف بره.
دخل الزوج "مري عنخ" مزهوًا بنفسه، فسأله القاضي:
- الست دي كانت مراتك؟
- أيوه يا كبير القضاة.
- هل إنت طلقتها؟
- أيوه.
- ليه؟
- لأنها ما بتخلفش.. وكان نفسي أشيل حتة عيّل ليّا.
سألها كبير القضاة:
- وإيه مشكلتك معاه؟
ردت إيزيس:
- سابني فترة.. وبعدين طلقني بقاله مدة.. وما إدانيش حقوقي.. ومش عارفة إزاي أعيش ومنين.. وأعيش إزاي.. وأنا أبويا ميت.. وأمي كمان ميتة.. وماليش إخوات.. وماليش أي دخل أعيش منه... وكمان هو اتعهد ليا في ورقة طلاقي إنه يديني كل حقوقي المعيشية! ولحد الوقتي ما إدانيش أي حاجة خالص.. أعيش إزاي يا كبير القضاة، هو ده يرضي حد؟
سأله كبير القاضي:
- ليه ما إديتهاش حقوقها؟!
فرد مري عنخ:
- مسألة وقت بس وهأديها حقوقها.
فسألها كبير القضاة:
- هل فيه عندِك أي كلام تاني قبل ما نرفع الجلسة للمداولة وقبل ما نصدر حكمنا؟
فقالت له:
- عشت معاه عشر سنين من عمري ومن شبابي على الحلوة والمرة.. إزاي بعد كل السنين دي يرميني من غير ما يديني حقوقي؟! ياخدني لحم ويرميني عظم!! عاوزاكم تطبقوا العدل يا قضاة البلاد.
سأل كبير القضاة طليقها:
- هل عندك أي أقوال أخرى؟
فقال:
- لا يا كبير القضاة.
صاح حاجب المحكمة قائلاً:
- محكمة.
وقام القضاة وكل الموجودين في قاعة المحاكمة.
نظرت "إيزيس" إلى طليقها منفوش الريش "مِري عنخ" نظرات كلها حزن واحتقار، ونظر إليها دون اهتمام.
صاح حاجب المحكمة قائلاً:
- محكمة.
دخل القضاة العشرة، وجلسوا، وجلس الموجودون في القاعة.
قرأ كبير القضاة قرار المحكمة قائلاً:
- إنه في اليوم الأول من الشهر الأول من فصل الفيضان، وبشأن القضية المرفوعة من السيدة إيزيس، ابنة السيد بتاح حتب والسيدة نيت رع، على طليقها السيد مِري عنخ والخاصة بعدم صرف مستحقاتها المعيشية بعد طلاقه لها بعد زواج دام عشر سنوات، وكانت فيه نعم الزوجة لك، ونظرًا لعدم قيامها بأي شيء مخل أو يؤثر على بيت الزوج أو ماله أو الحياة الزوجية، غير أنها لم تنجب له الولد الذي كان يحلم به، وهذا قرار الإله وليس قراره أو قرارها، ونظرًا لبالغ الضرر الذي وقع منه عليها دون سبب، قررت المحكمة وبإجماع آراء القضاة العشرة ما يلي: إلزام السيد مري عنخ بدفع كل المستحقات المعيشية المقررة منه في وثيقة طلاق السيدة إيزيس، ابنة السيد بتاح حتب والسيدة نيت رع ابتداءً من اليوم، وتعويضها بضعفين عن ما لم يدفعه لها عن الفترة السابقة، وإعطاء نسخة من وثيقة الحكم هذه إلى السيدة إيزيس، وكذلك نسخة إلى طليقها السيد مِري عنخ، وإيداع نسخة من وثيقة الحكم هذه داخل المحكمة، وإرسال نسخة منها شرطة العاصمة وإلزامها بتنفيذ الحكم ومتابعته وإخطار هيئة المحكمة بما تم في حدود شهر من تاريخ اليوم. وهذا حكم منا بذلك.
دمعت عينا السيدة إيزيس، وهتفت سعيدة:
- يحيا العدل.. يحيا العدل.. يحيا العدل.
ونظرت نظرة نصر إلى طليقها المدعو مِري عنخ، والذي خرج من قاعة المحكمة وهو في قمة الحزن والخزي وهو ينظر إلى الأرض من خجله مما فعل في حق زوجته السابقة المخلصة الوفية.
|