القاهرة 08 اغسطس 2022 الساعة 10:50 ص
تبصرنا المواقف ونأبى التصديق فبين الأعين والقلوب رسول يكشف ما في النفس لتعلم أن كل ما كان هباء -وهو يقطع الألف كيلو فقط ليرى عينيها- يهم ويطلب نقضًا لحكم قد صدر، يلتمس وقتًا آخرً، أنفاسه المعلقة لاتدرى في أي مكان ستنطلق ولأي براح ستأوي بمن ستأنس أم وحدتها مكتوبها؟!
لعب الوقت في قصص الحب أدوار كثيرة، وأدرك أهميته العشاق، غنته فيروز "بيقولوا الوقت يقتل الحب.. بيقولوا الحب يقتل الوقت"، عند السيدة فيروز، لا تدري أيًا منهم سيقتل الآخر، ومن منهم سيظفر من رفيقه، أم في نهاية مطافهما سيكتب لهما السلام سويًا؛ "الوقت" لم تكن له أدوار بطولات فقط عند الأحباب، بل جاء حاضرًا لكل من "سعى" لينصره في نهاية مطافه ويكلل فرحته وتعبه بالنجاح..
قبل أمس، أُعلن عن نتيجة الثانوية العامة وسط فيض من المشاعر الحسنة بالبيوت المصرية، واشتعلت التعليقات على شبكات التواصل الاجتماعي، والصور تزف الشبكات العنقودية، بفرحة الأوائل وتكبيرات الأمهات والحمد لربهم بعد التعب والمجهود والدروس والصرف، علت الأذرع لله حمدًا لما حققوه مع أبنائهم، كان يومًا مبهجًا صادقًا في مشاعر الجميع؛ الوقت لهؤلاء كان شافيًا ودودًا لم يرفع سيف في وجه من تعب واجتهد، بل أمسك ساعته وقال له "مبروك"، وأنا هكذا أرى الوقت في كل أمر حاضر، له فلسفة خاصة عندي، وقتا أراه عذبا صافيًا، وآخر أراه غاضبًا صامتًا؛ مثلما كان مع الراسبين قبل أمس في امتحانات الثانوية العامة، الوقت هنا أعلم حرقته وأعلم كيف يحرق في الصدور، رغم أني لم أذق تلك المرارة ولكن الانهزام وحده كاف لشرح شعور صاحبه.
ومثلما كان هناك متفاعلون للناجحين والأوائل كان هناك جمهور "الإفيه" والذي جاء تفاعله مع الراسبين بتقديم الدعم ولكن بطريقتهم: "جبت 50 جبت 90 في الآخر العبرة باللي يجيب فلوس"، أو اللي يجيب فيلا وكلًا وضع طموحه بعد 50 أو 90 وما عز عليه امتلاكه، الإفيه خفيف الدم فعلًا ولكن هل يتساوى الفشل بالنجاح؟! هل يتساوى التعب بالراحة؟! ربما أكون ضحكت مع تلك الجملة، ولكن هل صنع المال طبيبًا؟ هل صنع المال مهندسًا؟ هل صنع مدرسًا؟! هل قدم أخلاقًا؟!
مشغول الجميع بالمال وأنا واحدٌ منهم، ولكني أعيش مشغول به فقط لستر حالي لا لأكنزه لا سمح الله، أقدر حقيقة الانشغال بالمال في وقتنا هذا وأعلم قيمته ،ولكن كيف لمثل هذه النصيحة الجليلة أن نقدمها لأبنائنا، هل نقول لهم افعلوا ما بدا لكم لجني الأموال؟!
تلك الأعمار تحركها مراهقتها، في العلوم الاجتماعية المراهق مقلد لكل ما حوله بقناعة تامة وهو العمر الذي تتشكل فيه شخصيته، عزيزي الضاحك، أبشرك بأن الترند المنتشر سيصنع أجيالًا خامله كسولة لاتريد حتى التعليم، سيربطون لجامهم في فمهم، وأعينهم، للحصول على الأموال في مناخ محمد رمضان والتيك توك وغيرها من المحيطات به، سنصنع جيلًا يتهاوى ونحن من يلقى بهم في القاع، بسخرية "بوست" لطيف والجميع يضحك، لتتخلل الرسائل بمحتواه للمراهقين بين صفوف الألوف من الطلاب!
قد أكون حازمًا بين نفسي في تلك النقطة رغم أني عاشق للضحك والإفيه بشكل يجعلني أنسى كل أمر، ولكن في مستقبل أمة بين الأمم، تريد أن تحيا بإصرار متزامن مع ويلات الحروب المحيطة، والتضخم الملاحق الملتهم لكل تنمية نقوم بها، ما نملكه حقيقةً بجانب سعينا نحو الأفضل، هو العقل البشري، التعليم المتطور والتكنولوجي المبني على التجربة والنتيجة هو ما سيصنع فلكنا وسط الشعوب لينجينا، أراه دائمًا الوحيد القادر على التغير من حال إلى حال.
سيدي القارئ قد أكون "بعمل من الحبة قبة"، ولكن في تلك "الحبة" أرى الكثير والكثير، أراها كحكمة داود وملك سليمان وكلمة موسى وروح عيسى ومحبة محمد، فهي الوجود المتراص عليه المستقبل، فرفقًا ولطفًا فوالله لو عُلم ما في الغيب لاخترنا العلم أكثر من المال.
|