القاهرة 28 يوليو 2022 الساعة 02:50 م

في مؤتمر أدباء مصر وعلى مدار دورات سابقة، صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة عدد من الكتيبات التي ترصد الخريطة المعرفية للمبدعين في محافظات مصر في مجالات الإبداع كافة من الشعر الى الرواية والقصة إلى النقد وأدب الطفل، لكن ودون أي مقدمات توقف هذا المشروع منذ المنتصف الأول من الألفية الجديدة، وهو ما جعل قاعدة بيانات المبدعين في قرى ومراكز ومحافظات مصر دون تحديث، ومن ثم تأثرت القرارت الثقافية ومنها السياسات الثقافية فى مصر منذ هذا التوقيت، لغياب المعلومات الببلوجرافية التي ترصد توزيع المبدعين في أنحاء الجمهورية.
مع اتجاهنا نحو الجمهورية الجديدة أتمنى أن يعود هذا المشروع مرة أخرى للنور حتى يتسنى لنا جميع الكتاب والباحثين أن نتعرف على أكثر المحافظات إبداعا وأقلها وأسباب ذلك، وحتى نستطيع مع قطاعات الوزارة الرسمية للثقافة ومؤسسات الثقافة غير الرسمية أن نقدم لهم قراءات ومؤشرات حول خريطة الإبداع فى مصر فى وقت تتحول فيه الدولة المصرية إلى مركز إقليمي للبيانات في الشرق الأوسط، ومن ثم تتحول المدن والمركز الإبداعية التي تضم أكبر عدد ممكن من المبدعين إلى مراكز للتنوير فى إطار مشروع الوعي المصري ضمن رؤية مصر للتنمية المستدامة 2030.
بالنظر الى المؤسسات العلمية والثقافية فى القرن التاسع عشر وحتي منتصف القرن العشرين كان هناك عدد كبير من مراكز الفكر والمؤسسات الثقافية والمعرفية التي ساهمت في إحداث حراك فكرى داخل مجتمعنا المصري وللنخبة المثقفة؛ وهو ما رصده الأستاذ الدكتور وائل إبراهي الدسوقي في كتابه الموسوم "التاريخ الثقافي لمصر الحديثة" الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب؛ حيث أشار إلى أن مصر عرفت في هذا التوقيت كل أنواع المؤسسات الثقافية والعلمية بشقيها الحكومي الرسمي والشعبي المستقل، منذ عهد محمد علي وحتى كل خلفائه من بعده، وأن الأمر لم يقتصر على عهدي محمد علي وإسماعيل فقط فقد أنشأت الحكومات المتتالية مؤسسات تحمي ثروات مصر، كالمتاحف ودور حفظ الكتب، والمؤسسات التي تتابع الأنشطة العلمية التطبيقية، كالرصدخانة المجمع العلمي المصري، كما عملت على رعاية المؤسسات العلمية الكبرى كالجمعية الجغرافية الخديوية، وحتى الفنون المسرحية الراقية أنشأت لها الحكومة المصرية دار الأوبرا الخديوية، وهو ما استمر فى رأيي حتى عهد الرئيس جمال عبد الناصر الذى شهد تأسيس عدد كبير من مراكز الفكر مثل المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، ومركز الأهرام للدراسات السياسية، وما حدث بعد ذلك هو بمثابة قطيعة فكرية ألقت بظلالها على مسار الخريطة المعرفية لمصر والتي اختفت ملامحها مع قرارات الانفتاح الاقتصادي والسياسات الساداتية التي تراجع فيها ترتيب العمل الثقافي والمعرفي لمراحل متأخرة مقابل صدارة القرارات الاقتصادية، وهو ما انتهجه الرئيس مبارك من بعده حتى تخليه عن الحكم عام 2011.
كل ما نأمله في نهاية هذا المقال هو أن يتم التركيز مرة ثانية من قبل مؤسسات الثقافة الرسمية وغير الرسمية على إطلاق خريطة معرفية للإبداع والمبدعين في مصر بناء على قاعدة بيانات موسعة ترصد كل صنوف الإبداع في قرى ومراكز ومحافظات الجمهورية الثانية في مصر، لأنها ستشكل انطلاقة حقيقية لصانع القرار الثقافي في صياغة سياسات ثقافية تستعيد قوة مصر الناعمة استنادا للأرقام والإحصائيات المعلوماتية الموثقة، والتي ستغير من مسار العمل الثقافي وتساهم في تطوير الصناعات الثقافية والإبداعية في مصر لتتجاوز المحلي إلى الإقليمي والدولي أثرا وتأثيرا.. وللحديث بقية.
|