القاهرة 24 يوليو 2022 الساعة 12:54 م

كتبت: زينب عيسي
• مراكب الشمس وهرم الملك سيخم خت أهم الاكتشافات الأثرية في عهد ثورة يوليو
أكد الدكتور حسين عبد البصير مدير متحف الآثار بمكتبة الأسكندرية أن ثورة يوليو 1952 قد صاحبها اكتشافات أثرية هامة، وقد جاء ذلك عقب التخلص من السيطرة الأجنبية للاستعمار الإنجليزي، حيث اهتمت الثورة بالآثار المصرية اهتمامًا كبيرًا، كما اهتمت بغيرها من المجالات السياسية والإجتماعية التي تعلقت بحياة المصريين ومقدراتهم بعد تحول النظام الحاكم من الملكي إلى الجمهوري.
وأشار إلى أنه قد تمت اكتشافات أثرية ذات قيمة تاريخية كبيرة منذ بدايةلعهد الثورة، كما تم إنقاذ آثار النوبة في عهدها لاسيما معبدي "أبو سمبل" الكبير والصغير للملك العظيم رمسيس الثاني وزوجته، وقد بدأت الاكتشافات باكتشافين مهمين هما: هرم الملك سِخم خِت، وإكتشاف مراكب الشمس، و قام الزعيم جمال عبد الناصر بزيارة الاكتشافين في ذلك الوقت، وقام وزير الثقافة آنذاك الدكتور ثروت عكاشة بالبدء في مشروع إنقاذ آثار النوبة من الغرق تحت مياه بحيرة ناصر أو بحيرة السد العالي بالتعاون مع منظمة اليونسكو.
مضيفا أن رجال ثورة يوليو قد بذلوا جهوا حثيثة ومثمنة لتمصير هيئة الآثار المصرية التي كانت تحت السيطرة الأجنبية لفترة طويلة حيث لم تشمل مصلحة الآثار التي دشنت في عهد الخديوي إسماعيل أي مسئول مصري، حتي جاءت الثورة وتم تعيين أول مدير مصري للمصلحة وهو الدكتور مصطفي عامر وتحديدا يوم 14 يناير الذي أصبح بعد ذلك يوم الأثريين الذي تحتفل به مصر حتي الآن
• الثورة والهرم الدفين:
وما لا يعرفه البعض ان الصحفي المعروف الراحل كمال الملاخ هو نفسه المهندس والأثري الذي اكتشف مراكب الشمس عام 1954، وفي نفس العام اكتشف المهندس الأثري العظيم محمد زكريا غنيم هرم سيخم خت في منطقة آثار سقارة في جبانة منف، وقد أطلق عليه الهرم الدفين، وترجع قصة الاكتشاف إلى عام 1952، حيث اكتشف الأثري المصري محمد زكريا غنيم أمين جبانة سقارة، هرم الملك سخم خت (2611 – 2603 ق.م.) -من ملوك الأسرة الثالثة- الذي لم ينتهِ العمل فيه، خلف هرم الملك زوسر المدرج الشهير في منطقة سقَّارة، وقد أراد مشيِّدُه أن يكون صورة شبيهة لهرم الملك زوسر، لكن لم يكتمل بناء هذا الهرم سواء في داخله أو مصاطبه.
والملك سـِخـِم خـِت هو ملك مصري عاش في عصر الأهرامات أو عصر الدولة القديمة،وحكم تحديدًا في عصر الأسرة الثالثة، وقد ذكرَ المؤرخ المصري الشهير مانيتون السمنودي أن هناك مَلِكًا حمل اسم "جوسرتي"، وحكم مصر مدةً قصيرةً للغاية تُقدَّر بحوالي سبع سنوات. ويميل علماء الآثار إلى الاعتقاد أن الملك الذي حمل اسم "جوسرتي" هو نفسه الملك سخم خت، بينما تعطي قائمة تورينو للملك "سخم خت" حكمًا يُقدَّر بحوالي ست سنوات، وتعتبر مدة تاريخ قائمة مانيتون هي الأقرب إلى الصواب.
وقد عثر "غنيم" على جزءٍ من السور الخارجي (السور الأبيض) الذي يُشبِه بدرجة كبيرة السور الخارجي الموجود في مجموعة الملك زوسر الجنائزية في سقارة، والذي طبَّق فيه النظام المعماري المعروف باسم "المشكاوات"، (أو الداخلات والخارجات) والذي كان تقليدًا لواجهة القصر الملكي التي كانت تتناوبها مثل هذه التشكيلات المعمارية في هذه العصور المبكرة من تاريخ مصر القديمة.
وفي 22 يناير 1952 تأكد للمكتشف أنه ليس هرمًا عاديًا، وإنما هرم مدرَّج. وفي يناير 1954 بدأ البحث عن مدخل الهرم أسفل الحجرات السفلية للهرم، ونظرًا لوقوع مدخل هرم الملك "زوسر" في الناحية الشمالية منه، نظَّف غنيم الرمال في الجانب نفسه في هرمه المكتشف، فوجدَه بناءً شبيهًا.
وفُتح الهرم في 9 مارس 1954م، واهتمت وسائل الإعلام العالمية والمحلية بالهرم الجديد ومكتشفه الدكتور غنيم الذي وجد مئات من الأواني الجنائزية من الأحجار الصلبة واللينة مرتبة في طبقات على أرضية الممر، تشبه تلك الموجودة في مجموعة الملك زوسر الهرمية، ثم عثر على آثار مدهشة مثل علبة مساحيق تجميل على شكل قوقعة ذهبية نادرة، وخرز من القيشاني، ومجموعة من الأواني المختومة بأختام الطمي تحمل اسم صاحب الهرم الملك سخم خت، وأوانٍ نحاسية وأدوات نحاسية وأدوات نحاسية وظرانية (زلطية) ووجد أسفل الهرم مخازن صغيرة عدة.
وفي مايو 1954 وصل "غنيم" إلى حجرة دفن الملك التي قال بشانها : "عندما دخلنا وارتفع ضوءُ المصباح، شاهدت في منتصف الحجرة تابوتًا ضخمًا من الألباستر، فتحركت إليه، وكان أول سؤال يدور بذهني: "هل هذا التابوت سليم لم يُمَس؟". وجثا على ركبتيه فوجد التابوت فارغًا، ولم يعثر على ما يؤكِّد أن باني هذا الهرم قد دُفنَ فيه، ويقول غنيم عن تلك اللحظات الصعبة في حياته: "إنه من الصعب عليَّ أن أصف هذه اللحظات، خليط من الرهبة، والفضول، والشك.. شعرت أن للهرم شخصية، وأن هذه الشخصية كانت مجسَّدة في الملك نفسه الذي بنُي من أجله الهرم".
وبعد حوالي ثلاث سنوات في 12 يناير 1959 تحديدًا، وحين جردت عهدة زكريا غنيم الأثرية في سقارة تمهيدًا لتوليه إدارة المتحف المصري في القاهرة، وُجِّهت إليه تهمة ضياع بعضها، وتحديدًا الآثار التي اكتشفها في هرم الملك سخم خت، فلم تتحمل نفس زكريا غنيم الأبيَّة وقع الصدمة، فألقى بنفسه في نهر النيل الخالد، ليموت منتحرًا وهو في العام الرابع والخمسين من عمره القصير، وهو في قمة العطاء..
وعلى الرغم من أنه كان هناك خليفة معروف للملك زوسر الشهير صاحب الهرم المدرج بسقارة، إلا أن اسم سخم خت ظلَّ غير معروف إلى أواسط القرن العشرين الميلاد، حتى نجح المرحوم محمد زكريا غنيم (1905-1959م) في اكتشاف القاعدة المستوية لهرم ومداخل هرم مدرج غير مكتمل في منطقة آثار سقارة إلى الجنوب الغربي من هرم سقارة المدرج، وعند وفاة الملك سخم خت لم يكن قد تم بناء سوي الدرجة الأولى (السفلى) من الهرم، وعثر محمد زكريا غنيم على سدَّادات قوارير عليها اسم الفرعون بالموقع، ومن تصميمها ومن الكتابات المنقوشة على الهرم يـُعتقد أن المعماري الخاص بالملك زوسر الشهير المهندس العبقري إيمحتب قد ساهمَ دون شكٍّ في تصميم هذا الهرم. كما يعتقد علماء الآثار أن هرم الملك سخم خت ربما كان سيكون أكبر من هرم الملك زوسر لو اكتمل بناؤه قبل رحيل الملك سخم خت في عمر قصير.
والموقع حاليًا مطمور في الرمال إلى الجنوب الغربي من مجموعة الملك زوسر الهرمية، ونـطلق عليه اسم "الهرم الدفين"، وهو نفس العنوان الذي كتبه الراحل زكريا غنيم عن اكتشافه المهم، والذي تمت ترجمته إلى اللغة العربية.
• مراكب الشمس.. عجيبة الدنيا السابعة:
وتعود قصة اكتشاف مراكب الشمس إلى شهر مايو عام 1954، حيث كان المهندس المصري كمال الملاخ يقوم بأعمال التنظيف وإزالة الرديم جنوب الهرم الأكبر، فكشف عن حفرتين لمركبين مغطتين بكتل من الحجر الجيري الجيد، ومن الجدير بالذِّكر أن للهرم الأكبر ثلاث حفرات أخرى في الصخر الطبيعي لهضبة الجيزة تأخذ شكل المراكب في الناحية الشرقية للهرم، تقع اثنتان منها في الناحية الجنوبية والناحية الشمالية للمعبد الجنائزي، بينما تقع الحفرة الثالثة شمال الطريق الصاعد للهرم الأكبر. وجعل ارتباط هذه المراكب بالملك خوفو في منطقة الأهرامات من الآثار المهمة في العالم كله، وذلك لأن هرم الملك خوفو واحد من أهم الآثار في العالم، ولأنه أيضًا العجيبة الباقية من عجائب الدنيا السبع القديمة.
عثر كمال الملاخ فوق سطح الحفرة الأولى جنوب شرق الهرم الأكبر على إحدى وأربعين كتلة ضخمة من الحجر الجيري الجيد المستجلب من محاجر طره الملكية، وبداخل هذه الحفرة البالغ طولها حوالي 31,2م، وعرضها 2,6م، وعمقها 3,5م، عثر على مركب خشبية كبيرة مفككة إلى حوالي 1224 قطعة خشبية من خشب الآرز القادم من لبنان موضوعة بعناية فائقة في 13 طبقة في أماكنها الأصلية، ومختلفة الأطوال ما بين 23م و10سم، علاوة على كميات كبيرة من الحبال والحصير، والمجاذيف الخاصة بها..
و تولى ترميم هذه المركب، المرمم المصري العظيم الحاج أحمد يوسف لفترة زمنية طويلة إلى أن أعادها إلى ما كانت عليه أيام الملك خوفو العظيم حتى تم عرض المركب في متحفها جنوب الهرم الأكبر، أعلى الحفرة التي تم العثور على المركب فيها، و كان زوار منطقة أهرامات الجيزة يتجهون عادة إلى متحف مركب خوفو كي يشاهدوا هذه المركب التي كانت مركب شمس خاصة بهذا الملك العظيم، وتعد زيارة هذا المتحف جزءًا أساسيًا في إطار زيارة المنطقة الأثرية بهضبة أهرامات الجيزة.
|